بتاريخ 11 تشرين الثاني من العام 2014 صدر القانون رقم 16 / 2014، وقضى بتمديد ولاية مجلس النوّاب المنتخب عام 2009 إلى 20/6/2017.
تقدّم عدد من النوّاب بطعن بهذا القانون أمام المجلس الدستوري، تسجّل تحت رقم طعن 6 / 2014، رَمى إلى طلب إبطال القانون المطعون فيه لمخالفته أحكام الفقرات (ب) و(ج) و(د) و(هـ) من مقدّمة الدستور، والمواد /27/ و/44/ و/32/ و/42/ و/57/ و/19/ منه.
وبتاريخ 28/11/2014 أصدر المجلس الدستوري قراره النهائي بالطعن المذكور، تحت رقم قرار 7 / 2014، قضى بقبوله شكلاً، وبرَدّه أساسا للحيلولة دون التمادي في حدوث الفراغ في المؤسسات الدستورية.
وبالإطّلاع على القرار المذكور، يتبيّن جليّاً أن المجلس الدستوري كان مُتّجها في تعليله إلى إبطال القانون، لكن مبدأ الحؤول دون تعطيل المؤسسات الدستورية حال دون ذلك.
فأقرّ المجلس الدستوري، في قراره المذكور، أن تمديد ولاية مجلس النواب يتعارض مع الأحكام الدستورية من حيث المبدأ، وأن التحجُّج بالظروف الإستثنائية لا يستقيم، لا سيما أن إجراء الإنتخابات النيابية دَورياً هو من أركان الإنتظام العام، ولا يجوز بالتالي التفريط بها بحجّة الظروف الإستثنائية. علماً أنه سبق للمجلس الدستوري أن أصدر العديد من القرارات النهائية، كرّست بموجبها مبدأ دَورية الإنتخابات، لا سيما القرار رقم 2 / 1997 والقرار رقم 1 / 2013 والقرار رقم 7 / 2014.
واعتقد الكافة أن المجلس الدستوري ذاهب حُكما إلى إبطال قانون التمديد، وقبول الطعن شكلا وأساسا. لكن المفاجأة تمثّلت برّد الطعن برُمّته أساسا، معتبرا أن القبول به قد يؤدّي إلى فراغ في السلطة الإشتراعية، ما يُهدد النظام بالسقوط، ويضع البلاد في المجهول.
وبالتالي، إعتبر المجلس الدستوري أن الحفاظ على المؤسسات الدستورية يبقى الأهّم، ولو على حساب قانون مَطعون بدستوريته.
أمّا اليوم، وبعد أن أقرّ المجلس النيابي باقة من التعديلات على أحكام قانون الإنتخابات رقم 44 / 2017. إتّجهت الأنظار إلى الطعن والذي لوّح به رئيس الدولة وتكتُّل لبنان القوي، المَنْوي تقديمه أمام المجلس الدستوري، طعناً بالتعديلات المُقررة.
وبعيداً عن أسباب الطعن ومُبرّراته، نسأل: هل يُمكن للمجلس الدستوري أن يطعن بالقانون، مع علمه أن قبول الطعن سيؤدّي إلى حرمان شريحة كبيرة من اللبنانيين من حقّهم في الإقتراع ؟
مع التأكيد أنّ البَتّ والفصل بأسباب الطعن يعود إلى المجلس الدستوري، ولن ندخل في سجاله ومناقشته، إنما نطرح السؤال:
بحال أخذ المجلس الدستوري بالطعن، وقبِله شكلاً وأساسا، وأبطل تعليق المواد المتعلّقة باقتراع اللبنانيين غير المقيمين، وتخصيص مقاعد ستة لهم (المواد /112/ والفقرة الأولى من المادة /118/ والمادة /121/ والمادة /122/ من قانون الإنتخابات رقم 44 / 2017) وعاد إلى نصّ القانون قبل تعليق هذه المواد… كذا… فهل سيعود بقدرة هؤلاء اللبنانيين المنتشرين، المشاركة في الإقتراع، مع ثبوت عجز الحكومة والإدارة، ووزارتّي الخارجية والداخلية عن إنجاز ما عليهم من موجبات تجاههم ؟؟؟
هل سيكون بقدرة الحكومة والوزارات والإدارات إتمام إجراءات تسجيل الترشيحات للمقاعد الستة في الخارج ؟؟ وعلى أساس أي توزيع؟؟
ما هي التدابير التي أقرّتها اللجنة المشتركة، والمُشَكّلة سنداً للمادة /123/ من قانون الإنتخابات، تسهيلاً لفتح باب الترشُّح، وآلية ذلك، وشروط ما تقدّم ؟؟؟
ما هي الإجراءات المُتّخذة حتى تاريخه بخصوص استحداث الدائرة /16/ الخاصة بالمنتشرين؟
مما يُفيد، أن أي قرار ممكن أن يتّخذه المجلس الدستوري، على بُعد أسابيع عدّة من الإستحقاق (علماً أن الفقرة الأولى من المادة /118/ من قانون الإنتخاب تفرُض إجراء الإنتخاب للاغتراب قبل 15 يوما من تاريخ الإنتخابات العامة)، بقبول الطعن والمَنْوي تقديمه، سينعكس حُكماً على حق اللبنانيين غير المقيمين في الإقتراع. وسيؤدّي وبكُلّ تأكيد إلى حرمانهم من هذا الحق المُقدّس، والمُكرّس دستوراً، لا سيما أن حقّهم في الإنتخاب سَيُحصَر بِمُرشّحين ستة، لا مراسيم تطبيقية بخصوصهم، ولا قرارات تنظيمية، مع استحالة لوجستية، ما سيجعلهم كبش محرقة السلطة وبعض أحزابها.
علماً أنّ مقدّمة الدستور نصّت على التزام لبنان بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبمواثيق الأمم المتحدة. لا سيما أن المادة /21/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصّت على أن إرادة الشعب هي مصدر السلطات، يُعبّر عنها بانتخابات دورية. كذلك الإتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، التي انضّم إليه لبنان في العام 1972، نصّت على أن لكل مواطن الحق والفرصة في أن يَنتخِب ويُنتَخَب.
لذلك، وكما ذهب المجلس الدستوري في قراره رقم 7 / 2014 إلى تغليب قاعدة المحافظة على المؤسسات الدستورية على حساب إبطال قانون مخالف للدستور، فالمجلس مَدعو إلى تغليب قاعدة السّماح للمغتربين بالمشاركة في الإستحقاق الإنتخابي، ولَو على حساب قانون مطعون فَرَضاً بدستوريته، سنداً لقاعدة وجوب عدم حرمان أي مواطن من ممارسة حقوقه الدستورية.
رِهانُنا على المجلس الدستوري وحِكمته، فلا يُعقل أن نحرم المنتشرين من حق التصويت، وهذا حق لهم شاء مَن شاء وأبى مَن أبى، ولَو على حساب قانون مطعون بدستوريّته.