أدّى استخدام فريق المُمانعة «الجناح اللبناني» على مدى السنوات الماضية لشعاره الثلاثي المُعبّر تماماً عن مشروعه العقائدي، والمُثلّث العبارات والمُوحّد الأبعاد، إلى هلاك لبنان والإضرار باللبنانيين، وإلى التأسيس للكوارث التي حلّت بهذا البلد الذي كان بالأمس القريب يتمتّع بمكانة متقدّمة في تصنيف الدول ذات الجنّة الإسثماراتية والإعمارية حينها اعتبر الشعب اللبناني من بين أنجح الشعوب السائرة في طور التطوير.
أوصلت المعادلة الثلاثية الدويلاتية لبنان إلى الدمار الشامل والخراب الكامل على جميع الصعد والقطاعات، فقد شهَرَ «حزب الله» شعاره «جيش، شعب، مقاومة» بوجه اللبنانيين، وألزمهم به فرضاً وتخويفاً لمن يخضع، واهانةً وتكفيراً وتخويناً لمن يُعاند، وبدّاه على جميع القضايا الوطنية المصيرية والأساسية لبناء مفهوم دولة المؤسسات والجمهورية الحقيقية. وكما نجح النظام السوري خلال فترة حكمه للبلاد بوضع اللبنانيين بعامل القوة والضغط رهائن لشعاراته الحديدية والتخديرية مثال «تلازم المسارين والمصيرين» و»شعب واحد في دولتين»، مُلغياً القرار اللبناني الحرّ، ومُعتقلاً ومغتالاً القادة الأحرار، ورث «حزب الله» المنهجية ذاتها القاضية باعتماد سياسات رمي الشعارات الفارغة، ما يدلّ بوضوح على ايمانه بالأنظمة البوليسية والقمعية التي تحتاج دائماً للإستعانة بالعبارات الرنّانة لتُخفي خلفها خروقاتها للقوانين الانسانية، ولتحلّ الشعارات الكاذبة مكان الدستور والكتب المُقدّسة أحياناً، ولتحضن بداخلها العفن الاخلاقي والتحجّر العقائدي والصنمية الفكرية. بمقارنة طبيعية ومنطقية بين واقع المناطق الخاضعة لشعار اللادولة وواقع المناطق التوّاقة للدولة، نجد أنّ بيئة «جيش، شعب، مقاومة» المحمية بالسلاح غير الشرعي والمدعومة من دول اقليمية، ومن زبائنية داخلية متمركزة في المواقع الرسمية، ومن تسلّط وقح على مؤسسات الدولة، أمنية وقضائية، ومن تهديد فاضح بالقتل والالغاء الجسدي وبالتنفيذ الاجرامي عند الضرورة، بالرغم من كل هذه العوامل، فإنّ هذه البيئة الحاضنة ومناطقها الخاضعة لسيطرة دويلتها الأمنية تُعاني الأمرّين كأمر بديهي لغياب الدولة بمعانيها الحقيقية والوطن بعمقه والسيادة بمؤسساتها والحرّية بممارستها. ولنرى بالمقابل أنّ البيئة المُعاكسة والمُؤمنة بشعار «وطن، سيادة، حرّية»، بالرغم من معاناتها الكبيرة وقهرها على خسارتها اموالها وارزاقها واستغلال امكانياتها وقدراتها من قبل الخارجين عن القانون وخشيتها على مستقبل أولادها وتحسّسها من أداء الدولة واجهزتها، بالرغم من كل ذلك ومن غربتها عن الدولة، فإنهّا تتعوّد خطوة خطوة على الصمود والتنظيم الذاتي، وعلى تحمّلها المسؤولية الاجتماعية بانتظار عودة الدولة.
إنّه الفرق كل الفرق بين ثقافتين ترسمان مجريات الأمور الحياتية والاجتماعية بين منطقتين من وطنٍ واحد، حيث يلمس المتابع الابتعاد التدرّجي بينهما يوماً بعد يوم. فهناك داخل بيئة الشعار الدويلتي تصدّعات اجتماعية وأمنية وفلتان متعدّد الجوانب وخلافات بين النافذين اللاشرعيين من جهة، والشعب المظلوم والمقموع من جهة أخرى. وهنا، حيث بيئة ومناطق «وطن، سيادة، حرّية» تلاقٍ اجتماعي عفوي على رفض الجريمة والسرقات والعصابات والفلتان والنفوذ الميليشوي، ومحاولات جدّية على التفاهم على المساحات المشتركة التي تُعنى بالحياة اليومية للمواطنين، مع الابقاء على التنافس السياسي الطبيعي.
وهناك أيضاً، عشائرية واحتكام لشرع التخلّف والمصالحات التسووية والارضاءات الفسادية، كون الدويلة تهاب العصابات والمجرمين والمُهرّبين، وهنا أيضاً، تعلّق بمفاهيم الدولة، مع وجود للخروقات والاستثناءات المتحالفة مع الدويلة وشعاراتها، والعمل مستمرّ للوحدة على رفض اللاشرعية وشعارها والتمسّك بشعار الاستقرار «دولة، سيادة، حرّية». فالدولة المُمثّلة للوطن نقيض مشاريع الدويلة، والسيادة نقيض أوهام اللادولة، والحرّية نقيض المشاريع الفئوية الايديولوجية.
كثيرون هم اللبنانيون الذين انتموا في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية للحركة الوطنية التي سيطر عليها وحكمها واستغلّها محور المُمانعة الاقليمي المعروف حينها «بالصمود والتصدّي»، وعندما أدركوا لاحقاً حقيقة الصراع واكتشفوا خداع الشعارات باتوا من أشرس المُناضلين لصالح «دولة حقيقية، وسيادة كاملة، وحرّية مسؤولة»، وكثيرون مِن مَن ينتمون اليوم لمحور الممانعة الحالي سيهجرونه تدريجياً مع تعاظم الفوارق بين الدولة واللادولة. فلا امكانية لاستمرارية الدويلة، والمنطق الصحيح هو دائماً وابداً لمفهوم الدولة، وكما النور الالهي ليس حِكْراً على أحد من الناس، كذلك الدعوة دائمة لاصحاب شعارات الظلمة والموت للانتقال إلى شعارات الحياة والنور، بعد خلْعَ خطيئتهم بحقّ الوطن والانسان.
(*) عضو تكتّل «الجمهورية القوية»