أهم ما تكشفت عنه الزيارة التي تقوم بها ضيفتنا العاصفة «نورما» أن ما عشناه، في لبنان، منذ بضع سنوات، بأننا دخلنا في دوامة التغيّر المناخي لم يكن إلاّ وهماً، فها هي خيرات الله الكثيرة تتدفق عندنا في تساقطات الأمطار والثلوج «نعمة كريم». فلقد اختزنت الأرض كميات من المياه فجرّت الينابيع التي كانت قد نضبت وجفّ بعضها خلال العقد الأخير. وبهذا عبرت «الطبيعة الأم» (كما يسميها الأوروبيون) عن رحابتها وسخائها.
والأمطار هي نعمة، تتحوّل عندنا الى نقمة منذ «الشتوة الأولى» الى الشتوة الأخيرة، هذه حال عرفناها وعايناها كما عانيناها طويلاً. ذلك أنّ البنى التحتية عندنا، بما فيها مشاريع الطرقات و»الاوتوسترادات» إمّا باتت عاجزة عن مواكبة العصر وإما أنها لم تكن أساساً عند المستوى الفني المطلوب.
فما شهدته مناطق عدة مع هطول الأمطار وتدفق السيول، بعضه ما يحدث مثله وأكثر في مختلف بلدان العالم التي تواجه العواصف والأنواء، وبعضه الآخر مسؤول عنه … المسؤول!
والمسؤول هنا هو الذي نفذ الطرقات (على سبيل المثال) وأيضاً الذي كان مفترضاً فيه أن يراقب التنفيذ. وكذلك متعهدو الصيانة فهل مسموح أن يحصل ما جرى أمس على الأوتوستراد الشمالي وبالذات في منطقة ضبيّة؟!
فلو كان التنفيذ وفق المواصفات الفنية الدولية لما تحوّلت تلك الطريق الى بحيرة غرقت فيها السيارات واحتجز آلاف اللبنانيين ساعات طويلة. بل كان يفترض، بداهة أن يكون تصريف المياه في مجارٍ ومنحدرات تلحظ سلفاً هكذا حالة! وإلاّ أي شيء يبرّر أن يكون داخل الأوتوستراد (في منطقة ضبية وسواها) مثل هذه البرك التي إن دلّت على شيء فإنما تدل على سوء التنفيذ وتكراراً على سوء الرقابة أيضاً.
ثم يوّد الذين «علقوا» داخل تلك البحيرة ساعات طويلة وأوقاتاً حرجة، أن يعرفوا عن التدابير التي يفترض أن تكون وُرش وزارة الأشغال العامة والنقل قد اتخذتها لمواجهة هكذا أوضاع… أو أن المعنيين كانوا يعتمدون على أن لبنان «بلد صغير» أو أنه بات «صيفياً» لا تمطر فيه السماء إلاّ بمقادير … علماً أن المطر بمقادير (خصوصاً «الشتوة الاولى») كانت تترتب عليه نتائج مثل ما اعتدنا أن نراه في غير منطقة وفي ضفتي مجاري بعض الأنهار.
أردنا فعلاً أن نعرب عن فرحتنا بالأمطار الغزيرة التي اشتقنا إليها وافتقدناها طويلاً… ولكن لم يكن في الإمكان تجاهل معاناة الذين احتجزتهم «البحيرات» المستولَدَة حديثاً والثلوج.
ولقد تكون مناسبة لتوجيه التحية الى رجال الدفاع المدني وعناصر الصليب الأحمر اللبناني الذين بذلوا جهوداً جبارة منذ بداية حلول «نورما» عندنا وحتى كتابة هذه السطور ليل أمس. ولا شك في أنهم سيواصلون مهامهم حتى تنحسر العاصفة وتزول آثارها. ولقد يكون التنويه موصولاً الى قوى الجيش والأمن الذين أسهموا، جدياً في نطاق تواجدهم بدور إنقاذي خصوصاً ما قام به الجيش في الجبال والمرتفعات.
ويؤسفنا أن الأضرار لم تُقتصر على الماديات، إذ سُجل مقتل فتى وفقدان طفلة، ناهيك بالأضرار النفسية والصحية العديدة التي حلّت بسالكي الطرقات التي غمرتها مياه الأمطار والسيول.
وفي المقابل نبارك لأصحاب المؤسسات والمنتجعات السياحية الشتوية التي ستشهد موسماً يطفح بالجنى.