IMLebanon

لماذا التطبيع غير وارد؟

 

 

إجتياح الرئيس صدام حسين للكويت كان خطأ كبيرًا، لكنّ إزاحته من المشهد العراقي كان خطيئة فتحت المنطقة أمام إيران، والتطبيع مع النظام السوري اليوم هو كخطأ إزاحة صدام أمس.

إنّ المواجهة التي اندلعت في سوريا في العام 2011 وما زالت مستمرة ارتدَت عدة أوجه:

ad

الوجه الأول: مواجهة شعب أراد التخلّص من نظام سياسي استبدادي وعاجز عن تقديم البدائل لهذا الشعب على مستويات الحداثة والتطور والازدهار والنمو..

الوجه الثاني: أكثرية شعبية سنية ترفض ان يبقى قرار الدولة ممسوكاً من قبل أقلية تتحالف مع دولة إقليمية على خصومة مع الدول العربية. فصحيح انّ الرئيس حافظ الأسد كان على علاقة استراتيجية بإيران، ولكنه حافظَ على علاقات وثيقة مع السعودية، وبالتالي نجح في الموازنة بينهما، فيما الرئيس بشار الأسد قطعَ مع الرياض وربط مع طهران إلى درجة الالتحاق بمشروعها بشكل كامل، ما أفقده الحاضنة العربية والحاضنة السنية.

الوجه الثالث: هوية سوريا العربية أم الإيرانية في ظل صراع طويل وكبير بين إيران التي تريد إبقاء سوريا جزءاً لا يتجزأ من مشروعها في المنطقة، وبين السعودية التي عملت وتعمل على إعادة سوريا إلى الحضن العربي، والصراع من طبيعة استراتيجية كون انّ خسارة طهران لدمشق يعني فقدانها الامتداد السياسي ما بعد العراق وسقوط ورقتها في لبنان وخروجها من الصراع العربي-الإسرائيلي في الجولان وجنوب لبنان تحديداً.

الوجه الرابع: صراعات نفوذ إقليمية على سوريا بين تركيا وإسرائيل وإيران، الأمر الذي نقلها من لاعب إقليمي إلى ملعب للدول الإقليمية.

وعلى رغم انتهاء الحرب في سوريا لم يستعد النظام السوري لا سيطرته على كامل الأرض السورية، ولا عودته إلى الساحتين العربية والدولية، وهذا الأمر ليس عن طريق الصدفة طبعاً، إنما بسبب الموقف الأميركي والسعودي المتمسّك بإنهاء الأزمة السورية على قواعد الشرعية الدولية، ويُخطئ من يتوهّم ان النظام السوري سيستعيد الوضع الذي كان عليه قبل اندلاع الحرب السورية.

 

والانفتاح الجزئي على النظام السوري لاعتبارات انسانية او تكتية وأمنية وإدارية لا يعني عودته إلى المسرحين العربي والدولي، والشروط السعودية واضحة وتبدأ من فكّ ارتباطه مع إيران ولا تنتهي بسلطة انتقالية وشراكة مع المعارضة في إدارة الوضعية السورية، وهذا ما لا رغبة ولا قدرة للنظام على تنفيذه، فهو عاجز عن فكّ الارتباط مع إيران وغير راغب أساساً في ذلك، كما ليس في وارد التنازل عن مواقعه السلطوية، لأنّ اي تنازل يعني نهايته، وبالتالي يستحيل ان يُمنح شرعية عربية وسعودية تحديداً وهو في الحضن الإيراني.

وعدا عن انّ الشعوب العربية عموما والشعب السوري خصوصا سيزيد من إحباطه من الغياب المتمادي للمرجعية العربية التي تكون قد تخلّت عنه، وهذا ليس من مصلحة هذه المرجعية المطالبة بموقف أخلاقي إذا كانت عاجزة عن الوقوف إلى جانبه بصورة عملية، فأين المصلحة العربية في إعادة تعويم نظام شَكّل ويشكّل رأس حربة المشروع الإيراني في مواجهة المشروع العربي؟

والتطبيع مع النظام السوري لا يشكل خسارة للشعب السوري فقط، إنما الخسارة الأكبر هي للدول العربية التي تُطبِّع مع نظام قراره في إيران، ويعني تسليم هذه الدول بانتصار إيران عليها في سوريا، وهي غير مضطرة لهزيمة من هذا القبيل في ظل أزمة إيرانية في الداخل ولن تتوقّف لأنّ الشعب الإيراني يريد الحياة ويُقارن نفسه مع الشعب السعودي الذي يعيش في استقرار وازدهار ودولة تربطه مع العصر والحداثة، وأزمة مع المخارج لن تتراجع ولن تتبدّل طالما ان إيران تتمسّك بمشروعها التوسّعي الذي يهدِّد سيادة دول المنطقة واستقرارها.

 

والنظام العربي أمامه ثلاثة خيارات من أجل وضع حدّ للتهديد الإيراني المتواصل للدول العربية: الخيار الأول إسقاط النظام الإيراني وهذا ما يفوق قدرته، والخيار الثاني إرساء تسوية مع النظام الإيراني على قاعدة وَقف مشروعه التوسعي واحترامه لاستقلال الدول العربية وسيادتها وإرساء الاستقرار في المنطقة، وهذا ما لا تريده إيران كونه يتناقض مع علّة وجودها، والخيار الثالث نقل الحاجز الذي كان يقيمه صدام حسين أمام التمدُّد الإيراني من العراق إلى سوريا، وهذا ما هو ممكن في ظل الوضع السوري المعلّق بانتظار تسوية دولية وإقليمية، ووجود النظام الحالي هو مجرّد بدل عن ضائع بانتظار الحلّ النهائي، ومن المصلحة العربية الاستراتيجية التي لن تتكرّر مستقبلاً إعادة سوريا إلى الحضن العربي وجَعلها سداً حصيناً أمام الاختراق الإيراني للمنطقة.

ويجب للمرة الأخيرة الانتهاء من الوهم المسمّى إعادة نظام الأسد إلى الحاضنة العربية وفَصله عن النظام الإيراني، فهذا وهم وجُرِّب وغير قابل للحياة، وأي خطأ في التقدير السياسي في إعادة إعطاء الشرعية لنظام الأسد سيتحمّله العرب لعقود مقبلة، فهناك فرصة تاريخية لا يجب تفويتها بعد الفرصة التي فوِّتت في الحرب وإمكانية إسقاط النظام لو وضعت الدول العربية ثقلها كما وضعت موسكو وطهران ثقلهما في الدفاع عن هذا النظام.

فعلى الدول العربية بناء خط دفاع ثابت في وجه إيران بمعزل عن اي تسوية او استمرار الخلاف معها، وهذا الخط لم يعد بالإمكان تشييده في العراق، إنما الفرصة مؤاتية لتمتين قواعده في سوريا من خلال نظام عربي يقطع الجسر بين طهران وبيروت، وسوريا عربية يعني إعادة العراق عربية رويداً رويداً.

 

أما على الخطّ اللبناني فلن يعرف لبنان الراحة في ظل نظام سوري لا يعترف بلبنان ويخطِّط لإلحاقه بدمشق وحَوّل سوريا ويحوِّلها إلى ممر ومستقر لاستهداف السيادة اللبنانية، والخلاف مع النظام السوري ليس فقط على تاريخ احتلالي وفصول سوداء في الحرب وبعدها، إنما حول الحاضر والمستقبل، حيث ان استقلال لبنان سيبقى مهدداً في ظل نظام لا يعترف بنهائية هذا البلد وهو جزء من محور ممانعة يريد إبقاء وطن الأرز ساحة مُستباحة لمشاريع تُبقيه مساحة عنف وقتال وعدم استقرار.
وتجنّباً لأي خطأ في التوصيف، فسوريا اليوم تختلف عن سوريا قبل العام 2011، والسعودية مع الأمير محمد بن سلمان تختلف عن السعودية ما قبله، والرياض التي أوقفت مساعدتها للبنان لأنه تحوّل الى منصة لإيران، لن تساعد سوريا التي تشكل منصة متقدمة لطهران.

ولا شك انّ المنطقة ستخضع عاجلاً أم آجلاً إلى إعادة ترسيم لحدودها السياسية، وليس لحدود سايكس-بيكو، والرهان على دور المملكة العربية السعودية في ترسيمٍ يُعيد إيران إلى داخل حدودها الجغرافية كبير جداً، والمعركة تبقى معركة واحدة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وهي معركة الاستقلال في مواجهة المشروع التوسعي الإيراني القائم على العنف وعدم الاستقرار.