بقراءة متأنية للخطب العاشورائية، والتصريحات المرادفة لها، أو المعاكسة على الصعيدين الاقليمي والداخلي، تلوح اشارات حذر من متغيرات سياسية مقبلة، تتحرك من خارج الى داخل، وكل فريق محلّي يضع مسؤولية المبادرة على عهدة الطرف الآخر…
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، تحدث في خطبة عاشورائية عمن يحضّر لمواجهة جديدة في لبنان، محذرا من الدفع بهذا الاتجاه والقصد، كما هو واضح الدعوات السعودية التي وجهت وستوجه الى شخصيات لبنانية، من أجواء ١٤ آذار التي عاد ذكرها للتداول بخفر…
وقبلا تحسست أوساط المستقبل مساعي باتجاه مدّ مفاعيل الانتصارات التي يتحدث عن تحقيقها البعض في سوريا، الى لبنان، عبر كسر حاجز الامتناع عن التعاطي مع نظام دمشق، من جانب الحكومة. بالتزامن مع بعض الخروقات الوزارية الانفرادية باتجاه دمشق مباشرة أو من خلال التواجد في نيويورك.
وتوقفت الأوساط عينها أمام العراضات شبه العسكرية، التي جرت في الحمراء ثم في الضاحية الجنوبية وأخيرا في بعلبك، بمناسبات مختلفة وبعناوين مختلفة، مدرجة ذلك في خانة هزّ العصا لمن عصى… ومرفقة بأسباب موجبة تتمثل بملحاحية التعجيل بعودة النازحين السوريين، قبل الانتخابات الحاصلة حتما، كما أكد جميع المعنيين حتى الآن.
موضوع النازحين الذي يحاول البعض الدخول عبره الى ساحة التطبيع مع النظام، بمعزل عن سياسة النأي بالنفس، والابتعاد عن الشرور، يواجه بعجز فريق الممانعة عن اقناع فريق الممتنعين، بأن التواصل مع النظام يسهّل ويسرّع عودة النازحين، في حين ان النظام لم يدع حتى الآن، مواطنيه للعودة ولو من قبيل البروباغندا الاعلامية؟…
وتقول المصادر المتابعة ان البعض أفرط في التهويل لهذه الناحية، حتى ان أحد الأقنية التلفزيونية المحسوبة على العهد، رفعت شعار العودة للنازحين الآن وإلاّ لا لبنان غدا، ولا بعد غد!!
وقد ذهب البعض الى ربط هذا الإلحاح، بالخوف من انعكاسات الوجود النزوحي الكثيف على الانتخابات النيابية في أيار، ومن هنا التهويل بمعادلة: لا انتخابات مع وجود النازحين، علما ان السيد نصرالله تجاوز أي شرط في حسمه موضوع اجراء الانتخابات في موعدها وبالقانون النافذ من دون تعديل…
ولكن لماذا لم تدع الحكومة السورية مواطنيها للعودة حتى الآن، تاركة هذه المهمة على عهدة الحلفاء؟
المصادر المتابعة رجحت ان يكون الأمر خارج ارادة من هم الأولى بعودة المطلوب اعادتهم، لأسباب تتعلق بمستقبل الحلّ في سوريا. ولم تسقط من اعتبارها، في ذات الوقت، عجز هذا النظام عن استيعاب ملايين العائدين، أكان بسبب عدم اكتمال سيطرته الميدانية، أو لاتساع دائرة هدم المدن والبلدات، ما يفرض بناء مخيمات، مشابهة في أحسن الأحوال، للمخيمات التي تستوعبهم الآن في لبنان وغير لبنان.
وتقول المصادر، ان تجربة العلاقة مع دمشق على هذا الصعيد، لم تكن مشجعة، بدليل تعذر حصول الدولة اللبنانية على أي اشارة او مبادرة توحي أو تلمّح الى مصير مئات المفقودين والسجناء اللبنانيين في سوريا منذ ثلاثة عقود رغم تشكيل اللوائح، واجتماع اللجان المشتركة.
وفوق كل ذلك، تؤكد المصادر، ردا على دعوة الحكومة لمطالبة النازحين بالرحيل طوعا، ان الدولة اللبنانية تعتبر النازحين السوريين كما اللاجئين الفلسطينيين ضيوفا، وهي بالتالي لا تستطيع ان تطلب اليهم الرحيل قبل الحلّ السياسي في سوريا، وحلّ الدولتين في فلسطين المحتلة، وإلاّ تكون قد دفعت بهم الى المهالك…
ووسط هذا الخضم من التباينات، ثمة اجماع على ثابتتين حتى الآن: استمرارية الحكومة، واجراء الانتخابات، إلاّ في حالة تسونامي اقليمية…