مع كل تغريدة لبنانية للوزير السعودي ثامر السبهان، يرتفع منسوبُ الوضوح في الموقف السعودي من توسّع النفوذ الإيراني في لبنان.
فالتغريدة الأخيرة التي ردّ بها السبهان سريعاً على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أوحت أن لا عودة سعودية عن منع إيران من استكمال سيطرتها على القرار اللبناني، وما كان يقوله السبهان مع مَن التقوه غرّده علناً: «السعودية تصنّف «حزب الله» على انه شقيق شيعي للقاعدة وداعش، وهي لا تعترف بشرعية مشاركته في السلطة، ولن تتردّد في نزع الغطاء عن كل مَن يذهب بعيداً في مساعدته على نيل الغطاء الرسمي، الذي يستخدمه للتوسّع في التدخّل باسم إيران عندما يُطلب منه ذلك».
تبعاً للموقف السعودي الذي يكاد يقطع آخرَ خطوط العودة، في المواجهة مع إيران، تضيق الخيارات في المعادلة الداخلية الى حدّ الاختيار بين أولويّات الأطراف في الحفاظ على العلاقة مع المملكة، أو السير، كلٌّ على مسؤوليّته، الى حيث لا حدودَ ولا خطوطَ حمراً، خصوصاً في ما يتعلق بالتطبيع مع النظام السوري، والموقف من «حزب الله» الذي يشكّل مقياساً لتحديد معالم المرحلة المقبلة.
في الكلام السعودي مع الدكتور سمير جعجع والنائب سامي الجميل، وضوح في الموقف من رفض أيّ تطبيع مع النظام السوري، واعتبار الأمر خطّاً أحمر، أيّاً كانت الذريعة التي ستُستعمل للوصول الى هذا التطبيع.
يعرف أركان التسوية الـ 14 آذاريّين أنّ الوصول الى هذا التطبيع يعني خرق آخر الممنوعات، فالرئيس سعد الحريري أعلن موقفَه و»القوات اللبنانية» تشكّل رأس حربة في الوقوف ضد التطبيع، لكن في الوقت نفسه، يدفع «حزب الله» عبر حلفائه، وأوّلهم فريق الرئيس ميشال عون الى سلوك مسار سيؤدّي الى التطبيع مع النظام، سواءٌ تحت ستار عودة اللاجئين، أو عبر مسارات أخرى، ولقد كان لقاء وزير الخارجية جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلم البداية بالنسبة الى عون، لفرض أمر واقع في العلاقة مع النظام.
ومع تأكيد الحريري التمسّك برفض التطبيع مع النظام، ومع موقف «القوات اللبنانية» الرافض هذا التطبيع، فإنّ أوساطاً تخشى أن يؤدّي الضغط العوني الذي يتصدّره باسيل بناءً على طلب «حزب الله» الى إمرار التطبيع، وتخشى شخصيات في تيار «المستقبل» أن تذهب الامور الى أبعد من ذلك إذا لم يتعامل الحريري مع باسيل في وضوح وجزم، وتشير هذه الشخصيات الى أنّ مجرّد قرار باسيل بلقاء المعلم يدلّ على أنّ حلقات أُخرى يتمّ تحضيرُها في مسلسل التطبيع مع النظام، وهذا إن حصل من دون ردّ مناسب، سيؤدّي الى انتحار سياسي لما تبقّى من صورة الحكومة، ولا تستبعد الأوساط أن تضع «القوات اللبنانية» استقالتها على الطاولة، إذا عجزت عن الوقوف في وجه هذا الامر.
الواضح أنّ الحريري رسم سقفاً سياسياً لموقعه في التسوية ولعلاقته بالمملكة، وفق قاعدة أنّ هذا هو أقصى ما يستطيع فعله، وهذا السقف المضبوط معرَّض دائماً للاهتزاز مع كل خطوة يقوم بها «حزب الله» لترجمة الخلل في موازين القوى بفعل ما يحصل في سوريا والمنطقة، أما السعودية التي لا تضمن من هذه التسوية إلّا حلفاءَها، فهي باتت تخشى قضماً إيرانياً متنامياً للورقة اللبنانية، وعلى رغم فتح الباب إثر انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية لفرصة اختبار العهد الجديد التي فشلت، فهي اليوم تفتح الاحتمالات والخيارات، وتعد أوراق القوّة لمنع إيران من الاستفراد بلبنان، وسيُستكمل برنامج الزيارات الى الرياض بلقاءاتٍ جديدة، استعداداً للمرحلة المقبلة، ولمحطاتها، وخصوصاً الانتخابات النيابية، التي ستجرى للمرة الأولى منذ 2005 بقانون يصبّ في مصلحة «حزب الله» وحلفائه.