زيارات الوزراء الثلاثة إلى دمشق بقيت محدودة النتائج ولم تبدِّل في واقع العلاقات المتردِّية شيئاً
الترويج للتطبيع مع النظام السوري غير قابل للتحقّق بسبب الحجج والذرائع غير المقنعة والوقائع والتطورات في سوريا غير المسهلة
خَفَتَ الضجيج السياسي والإعلامي الذي واكب زيارات وزراء «حزب الله» وحركة «أمل» وتيار «المردة» الثلاثة إلى دمشق الأسبوع الماضي وبقيت نتائج هذه الزيارات في إطار حجمها المحدود، بالرغم من محاولات تلميعها واعطائها طابعاً رسمياً وحكومياً يفوق حدودها وتأثيرها ولم تفلح في تغيير واقع العلاقة المتدهورة بين البلدين منذ سنوات بفعل ممارسات النظام السوداوية الحافلة بسلسلة من الارتكابات الدموية بحق شرائح كبيرة من الشعب اللبناني ترفض اساليبه الديكتاتورية وسوء تعاطيه مع لبنان باستمرار ومع الشعب السوري على حدٍ سواء.
فكل العناوين التي روّجت لهذه الزيارات، تارة بتلبية دعوات رسمية للمشاركة في معرض دمشق الدولي وأخرى بهدف التشاور والتنسيق مع المسؤولين السوريين لم تنفع في إقناع اللبنانيين المعترضين عليها بجدوى حصولها، ولم تفلح موجات النصائح والمواعظ الموجهة من كبار رموز حلفاء النظام والمكرهين على الترويج له زوراً في الاستحصال على تغطية رسمية من الحكومة اللبنانية أو بتغيير النظرة السلبية تجاه النظام السوري، بل على عكس ذلك أظهرت استمرار الانقسام اللبناني حياله ورفض كل محاولات تطبيع العلاقات الثنائية معه في هذه الظروف السائدة في الوقت الحاضر.
هناك من يفسّر هذه الاستفاقة المفاجئة لإعادة التواصل مع النظام السوري وخصوصاً من قبل حلفائه واتباعه التقليديين بأنها تأتي لتواكب مسيرة الصمت الدولي حول بقاء رأس النظام في السلطة والبعض الآخر يراها بأنها محاولة مكشوفة لاستثمار خريطة الوضع العسكري الجديدة في سوريا انطلاقاً من تقدّم قوات النظام المدعومة من روسيا وإيران ضد خصومه السياسيين واعتبارها بمثابة انتصار يجب ان يترجم عملياً في موازين السلطة بلبنان وفي تعاطي الحكومة اللبنانية مع مسؤولي النظام بعقلية منفتحة وسمحة خلافاً لما كان يحصل في السنوات الماضية.
ولكن الترويج لواقع التطبيع مع النظام السوري أظهر استحالة التجاوب معه من أطراف عديدة في لبنان لأن كل الحجج والذرائع التي طرحت لم تقنع خصومه ولأن الوقائع والتطورات التي تحصل في سوريا لا تسهل إعادة تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين لاعتبارات عديدة أبرزها ان خصوم النظام في لبنان أو معارضي سياسته تجاه قسم كبير من اللبنانيين لم يبادروا يوماً إلى استعداء السوريين، نظاماً أو مسؤولين أو شعباً، بل على عكس ذلك تماماً، كانت ممارسات وسياسة النظام منذ تولي الأسد السلطة وحتى قبلها ترتكز على الهيمنة والاستئثار والسيطرة، والكل يذكر معاناة اللبنانيين جرّاء ذلك، إن كان من خلال مصادرة قرار السلطة، استعمال لبنان ساحة دائمة لصالح النظام مع الغرب وإسرائيل على حساب المصلحة اللبنانية العليا، تورط النظام باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، سلسلة التفجيرات التي طالت المساجد في طرابلس وغيرها والمتهم فيها ضباط من المخابرات السورية وعملاء النظام بالداخل حسب التحقيقات الأمنية والقضائية، وشحنة القنابل والمتفجرات التي نقلها عميل النظام اللبناني ميشال سماحة لتنفيذ سلسلة من التفجيرات والاغتيالات ضد شخصيات سياسية ودينية وإحداث فتن طائفية ومذهبية بين اللبنانيين والتي أدين فيها امنياً وقضائياً ومسجون بخصوصها.
والاهم ان النظام السوري الحالي لم يبدل تعاطيه أو نظرته أو ممارساته تجاه لبنان واللبنانيين بالرغم من كل محاولات «تبييض» صورته السوداوية والدموية، أو لجهة استئثاره بالسلطة كلياً في سوريا كما يحاول حلفاؤه الترويج لواقع «انتصاره»، بل ان حل الأزمة السورية لم يتبلور بعد، وما تزال مساعي حل الأزمة قائمة بين الدول الكبرى وعندما تكتمل هذه المساعي وتنجز التسوية يمكن البحث بعدها في الإطار الذي يمكن ان تسلكه العلاقات الثنائية بين البلدين وعلى أسس جديدة ترتكز على مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمصالح المشتركة، وهذا غير متوافر حالياً.
اما مسألة الترويج لانتصار النظام على خصومه بالداخل السوري ومحاولة استثمارها في الداخل اللبناني من خلال نبرات ومواقف حلفاء النظام الأسدي واتخاذها ذريعة لتبرير تسويق زيارات الوزراء المذكورين وغيرهم، فلن تجدي نفعاً ولن تؤثر في تغيير معادلة توزيع القوى السياسية، لأن مثل هذا الاسلوب جرّب مرات عديدة قبل انتكاسة النظام الأسدي وفي ذروة تسلطه ولم تنفع بل زادت خصومه تشبثاً بمبادئهم وحريتهم واستقلالهم ولأن الظروف الداخلية وحتى الخارجية لم تعد مؤاتية لتكرار ما يحصل في السباق، في حين يبقى مصطلح «الانتصار» الذي يتبجج به حلفاء النظام السوري للاستقواء به ضد خصومهم السياسيين بالداخل وللترويج لتطبيع العلاقات مع المسؤولين السوريين الحاليين انطلاقاً من لبنان، أجوفاً وبلا فاعلية لأن مقارنة بسيطة لما كانت عليه سوريا عندما تسلمها الأسد الابن وما أصبحت عليه اليوم من دمار وخراب وتهجير وقتل واستجلاب القواعد الأجنبية وتقاسم وتقسيم المناطق بين الدول المجاورة، يدل بوضوح على ماهية هذا «الانتصار» الوهمي والمزيف، الا إذا كان هؤلاء يعتبرون ان تدمير سوريا وقبلها العراق وبعدها اليمن يدخل في مصطلح «الانتصارات» التي حققوها بأنفسهم وقد عجزت إسرائيل عن تحقيقها من قبل.