ماكرون مصرٌّ على استعادة النجومية اللبنانية لميتران وشيراك
لا يملّ اللبنانيون من الانتظار. ساعة ينتظرون مآل الحوار الاميركي – الإيراني، وساعة مصير التقارب السعودي – الإيراني، فيما قادتهم مستقيلون من الحد الادنى من مسؤولياتهم الوطنية.
آخر الانتظارات قمة النورماندي التي تلتئم اليوم بجدول أعمال حافل وأولويات تتقدّم على أولوية اللبنانيين إنهاء الأزمة السياسية انطلاقا من انتخاب الرئيس المنتظر. لكن على الرغم من ذلك قد تكون للبنان التفاتة فرنسية – أميركية بإصرار فرنسي على الأكيد. فالرئيس إيمانويل ماكرون بات يقارب التعقيدات اللبنانية ببعض من الشخصانية. بمعنى أنه لم ينسَ ما عاناه زمن أولى مبادراته بعد انفجار 4 آب. يومها اعتقد أنه يستطيع تطويع المسؤولين بالتهديد والوعيد الرغيد، لكنّ هؤلاء نيّموه على حرير الوعود الآثرة، وما لبثوا أن انتفضوا عليه فأراقوا أفكاره حتى الإرهاق من غير أن يرفّ لهم جفن.
سمع زوار ماكرون من اللبنانيين إنه لن ييأس من مبارداته. وهو لهذه الغاية لن يفوّت فرصة اللقاء ببايدن من أجل طرح المسألة اللبنانية باعتبارها أمراً للفرنسيين فيه الكثير تاريخاً وذاكرةً وعاطفةً. واستعاد كذلك محطات ساعدت فيها فرنسا الشرعية اللبنانية على استعادة الدور السيادي، من إخراج جحافل منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت سنة 1982، إلى إخراج جحافل الجيش السوري من لبنان في نيسان 2005 كثمرة من ثمار قمة النورماندي في حزيران 2004. في كلا الحالين، يبغي ماكرون استعادة النجومية اللبنانية لكل من الرئيسين فرنسوا ميتران في المحطة الفلسطينية، وجاك شيراك في المحطة السورية.
تعوّل الإدارة الفرنسية على تآلف جهودها مع واشنطن من أجل تحقيق أمرين في لبنان:
1-الحدّ من مخاطر التفلّت العسكري القائم جنوباً ومنع توسّع الحرب. وثمة في هذا السياق تلاقٍ فرنسي – أميركي، علما أن التأثير النهائي على القرار الإسرائيلي يعود حصرا لواشنطن. وسبق لباريس أن وضعت أفكارا لخفض التصعيد في مرحلة أاولى توصلا إلى وقف النار. ردّ لبنان الرسمي بتنمّق على تلك الأفكار، لكن إسرائيل لم تفعل.
الحاصل أن باريس تنظر إلى إيران على أنها هي التي تدفع حزب الله إلى تصعيد عملياته عند الجبهة الجنوبية، كما باقي أذرعها في المنطقة، ربطا بجملة عوامل، منها الاعتقاد الإيراني الراسخ بأن سيناريو الهجوم الجوي على إسرائيل في 13 و14 نيسان الفائت منح طهران اليد العليا وجعلها في موقع المتقدّم في الصراع على النفوذ في المنطقة. وتاليا لن يضيرها مزيد من التصعيد عبر الوكلاء من أجل استخدامه ورقة ضغط في تفاوضها مع واشنطن، كما في غيرها من الميادين. إلى جانب أن طهران ترغب في تحييد الانتخابات الرئاسية، التي عادة ما تكون محطّ تدخّل الغرب كما حصل إبان «التحرك الأخضر» في حزيران 2009، عن أي تأثير خارجي. وليس أفضل من إشغال هذا الخارج بارتفاع منسوب الوقوع في محظور حرب إقليمية. حينها، سيمر الاستحقاق الرئاسي بالسلاسة التي يريدها النظام.
2-الحدّ من مخاطر التشقق الوطني والتحلّل المؤسّسي عبر تسريع الحل الآيل إلى انتخاب الرئيس العتيد. ولم تكن تفصيلا العبارة الصادمة التي أنهى بها الموفد الرئاسي جان-إيف لودريان زيارته الأخيرة بالتحذير من زوال لبنان السياسي، أي لبنان الدور والمكانة والرمز وجسر التواصل، لمصلحة لبنان آخر غريب عن هويته الحضارية المعروفة فرنسياً.
في هذا الإطار، تعتبر باريس أن إصرار حزب الله على ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بات غير مفهوم مع كل الرفض الذي يلاقيه مسيحيا ودرزيا وسنيا وعربيا ودوليا، إلا في سياق رغبته باستخدام هذا الترشيح في مرحلة لاحقة لوقف الحرب على غزة، ورقة للتفاوض. بمعنى أن خيار الحزب هو فرنجية أو رئيس من قماشته يعكس موازين الانتصار الإيراني في المنطقة، وغالبا لن يكون هذا الرئيس من ضمن مرشّحي الخيار الثالث.
كما تنظر باريس إلى الضلع الشيعي الآخر، رئيس مجلس النواب نبيه بري، على أنه قد يكن مسلوب الإرادة وربما مخطوفا، وغير قادر على المبادرة سوى تحت عباءة الحزب ورؤيته الاستراتيجية. وهي لا تنسى انه رفض الدعوة الشخصية التي وجّهها إليه ماكرون لزيارة باريس، وإن كانت تتفهّم سبب تلكّئه عن تلبية الدعوة. كما كان أول من استبق الزيارة الأخيرة للودريان بالقنص الاستباقي من خلال إثارة طرح استقبال فرنسا حوارا لبنانيا، وهو أمر لم تكن في وارده. وهذا القنص من وجهة نظر باريس ليس سوى دالّة من دالاّت الحزب على حليفه.