Site icon IMLebanon

كلام قوي من قمة النورماندي، ولكن…

 

 

سيجد لبنان مكاناً له في القمة الأميركية – الفرنسية التي ستُعقد في ذكرى إنزال النورماندي، وسيجري تخصيص مقطع له في البيان الختامي، وتَردّد أنه ستجري صياغته بعبارات قوية. لكن السؤال يبقى حول كيفية ترجمة ذلك الى أفعال في ظل الإحتقان الخطير والمتفاقم على ساحات الصراع الكبرى، بدءاً من حربي غزة وأوكرانيا ومروراً بالسعي الأميركي لإعادة تكوين الشرق الأوسط وانتهاء بالتحولات الكبرى من أوروبا الى أفريقيا والصراع على النفوذ والسيطرة، خصوصاً حول البحر المتوسط.

هذا من دون أن ننسى الصراع الرئاسي الأميركي المحتدم والذي ستحمل نتائجه معان مختلفة على مستوى السياسات الدولية. ويلهث الرئيس الفرنسي بدوره لإعادة تعزيز حضوره الداخلي والسعي لاستعادة شيء من الحضور الفرنسي على الخارطة الدولية إثر سلسلة خسارات في أفريقيا ووسط التحديات الروسية في أوروبا. وقد يكون هذا العامل هو الذي يعمل لصالح إبقاء الملف اللبناني على الطاولة بدفعٍ فرنسي.

ولا حاجة للتكرار بأنّ عقدة العقد تبقى في غزة. ورغم الضغط الهائل الذي تمارسه واشنطن على الحكومة الإسرائيلية إلا أن نتنياهو لم يتخذ بعد قرار وقف إطلاق النار، ما عزّز القناعة بأنه يسعى لكسب الوقت والاستثمار في المعركة الرئاسية الاميركية العاصفة.

 

وقد لا تكون مجرد مصادفة أن يندفع الرئيس الأميركي للحديث عن خطة وقف إطلاق النار في غزة وأيضاً عند الحدود اللبنانية بعد وقتٍ قصير على قرار إدانة ترامب. فالتنافس المحتدم والنتائج المتقاربة تجعل أي تغيير ولو كان محدوداً على مستوى الناخبين يؤثّر في نتيجة الانتخابات. ففي استطلاع رويترز وإيبسوس نشرت نتائجه يوم الجمعة الماضي ظهر أن 10% من الناخبين الجمهوريين المسجلين يستبعدون التصويت لترامب بعد إدانته. و 25% من المستقلين لن يقترعوا له في مقابل 18% منهم ما زالوا متمسكين بالتصويت له. والأكثر دهشة ما تشير اليه الاستطلاعات بأن ما يقارب نصف الأميركيين يواجهون صعوبة في اختيار مرشحهم الرئاسي بسبب عدم قناعتهم بأيّ منهما.

 

لذلك قد يكون بايدن شعر بشيء من الارتياح بعد قرار الإدانة، ما دفعه لاستغلال اللحظة والتقدم سريعاً باتجاه نتنياهو والسعي لاختطاف قرار اسرائيل بوقف إطلاق النار.

وفي الوقت نفسه وافق الحزب الديمقراطي على دعوة نتنياهو لإلقاء كلمة أمام الكونغرس إتّعاظاً من تجربة العام 2015، والتي نجح الجمهوريون في لَي ذراع باراك أوباما. وبالتالي، توافق رئيس مجلس النواب الجمهوري مع زعيم الأقلية الديمقراطية ورئيس مجلس الشيوخ الديمقراطي مع زعيم الأقلية الجمهورية على دعوة نتنياهو في موعد لم يحدد بعد ولو أنه مرجّح قبَيل العطلة الصيفية في آب أو بعدها مباشرة. ولا شك أن بايدن يأمل على انتزاع موافقة نتنياهو على قرار وقف النار ما سيفتح الطريق أمام التطبيع مع السعودية واتفاق أمني أميركي – سعودي، وبالتالي تعزيز أوراقه الانتخابية.

 

لكنّ «إحباط» نتنياهو في رهانه على ترامب و»إغوائه» بفتح أبواب الكونغرس أمامه ليسا عدّة الشغل الوحيدة للإدارة الديمقراطية. فإضافة الى الضغوط الدولية والقضائية والاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية هنالك سلسلة مؤتمرات ستعقد للغاية نفسها.

 

وفي طليعتها القمة الأميركية الفرنسية، والتي ستخصّص حيّزاً أساسياً لغزة. كما أنّ هناك اجتماعاً ثلاثياً أميركياً -مصرياً – إسرائيلياً في القاهرة الأسبوع المقبل بترتيب أميركي مخصص للبحث في إعادة فتح معبر رفح وضمان أمن الحدود بين مصر وقطاع غزة.

 

وفي 11 حزيران سيعقد مؤتمر دولي في الأردن حول غزة، وسيكون عنوانه إنساني ولكن أهدافه سياسية، وبتنظيم مشترك بين الأمم المتحدة والأردن ومصر، وسيشارك فيه قادة دول ورؤساء حكومات.

 

ورغم ذلك ما يزال نتنياهو يعمل على استهلاك الوقت.

 

وخلال الأسبوع الفائت أوردَ آموس هوكستين المراحل الثلاث لخطة ما بعد وقف إطلاق النار في جنوب لبنان. ومن الواضح أن هذه الخطة كان قد جرى التفاهم حولها مع «حزب الله» من خلال الرئيس نبيه بري. لا بل أن هنالك بعض التفاصيل التي تطال كيفية إعادة استنهاض الحياة في لبنان مثل الكهرباء وإعادة إعمار الجنوب. وخلف السطور اشتمّت رائحة الاستحقاق الرئاسي وتحديداً في المرحلة الثانية التي تتطلب استقراراً، كما قال هوكستين.

 

وبعده فوراً جاء كلام الرئيس الأميركي عن غزة ولبنان أيضا. لكن ثمة ما يدعو للتروي بعض الشيء. فالكشف الأميركي عن المفاوضات مع إيران في سلطنة عمان، والتي تطرقت الى مناطق نفوذها في الشرق الأوسط الذي أكدته طهران، تَلاه رَفع لسقف الحماوة «في ساحات نفوذها» بدءا من اليمن ومرورا بالعراق واستهداف مؤسسات أميركية، وكذلك زيارة الرئيس السوري الى طهران وكلام خامنئي، وانتهاء بجنوب لبنان ورفع مستوى الحماوة أو رسائل النار وكلام أمين عام «حزب الله» الذي لم يحمل المرونة المطلوبة. وهو ما يدفع للإستنتاج بأن إيران ليست موافقة بعد على ما تطرحه واشنطن على مستوى المنطقة.

لكن الوقت ضاغط وهامشه يضيق كثيرا أمام الجميع. وتَرَف عَلك الوقت لا يبدو متوافراً. فعامل الانتظار في لبنان بات مكلفاً حيث يعيش ناراً مشتعلة في الجنوب واستنزافاً يومياً لاقتصاد متهالك أصلاً ودولة غير موجودة في معظم خدماتها ومؤسساتها، وسط تعقيدات وازدياد المؤشرات التي تدل على أن الخارطة السياسية الداخلية اختلفت عن السابق. وهو ما يعني بأن ثمة توازنات جديدة لا بد من أخذها في الحسبان.

 

وبانتظار نتيجة «المنازلة» ما بين بايدن ونتنياهو، ستستمر الضغوط وستزداد في سعي لفصل الاستحقاق الرئاسي على الأقل عن ملف الحروب الدائرة قولاً وفعلاً.

 

وفي 23 حزيران سيزور أمين سر دولة الفاتيكان المونسنيور بييترو بارولين بيروت في مناسبة جرى تحديدها سابقاً. لكنه سيلتقي كبار المسؤولين اللبنانيين وسيحمل معه قلق الفاتيكان الشديد للمنحى الذي آلت اليه الأوضاع في لبنان، والحال الكارثية التي باتت تهدد كيانه ووجوده. وسيتحدث بصراحة كاملة حول ذلك مع القيادات المسيحية والتي يأخذ عليها الفاتيكان دائماً بأنها لا تهتم سوى بمصالحها الذاتية على حساب المصلحة العامة، ما يؤدي الى مخاطر وجودية.

ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟