منطقة الشمال مهملة على رغم كل التصريحات الواعدة من أفرقاء قدموا مساعدات ومبادرات، لكن طرابلس والمناطق المحيطة بها وقرى عكار تشكو من اهمال مزمن لمنشآت البنية التحتية ومصانع الخشب والانابيب، وحتى لوقت قصير مصانع العصير.
هنالك عدد من المشاريع الحيوية القائمة والمشغلة دون طاقتها أو غير المشغلة، والمعضلة تكمن في الادارة، فالنيات الحسنة اعلنت تكراراً لكنها لم تترجم الى مشاريع انتاجية مميزة بحجمها ودورها في المنطقة ولبنان.
الامر المحير ان المنجزات الحيوية توافرت بتمويل من الاتحاد الاوروبي وبمساعيه. فمعمل معالجة المياه، التي لا تنقطع عن طرابلس، انجز منذ سنوات بتمويل وتصميم من الاتحاد الاوروبي، وبقي دون تشغيل مدة ثلاث سنوات وقد يكون لا يزال غير عامل لفقدان جهاز الموظفين والمشرفين والمهندسين لتشغيله.
الصورة في مرفأ طرابلس مشابهة، لكن المرفأ بات يعمل بطاقة تتجاوز بكثير حجم العمل فيه، علمًا بان تكاليف تخليص البضائع والحاويات في مرفأ طرابلس هو دون التكاليف التي يعانيها المستوردون عبر مرفأ بيروت وخصوصاً تكاليف اختزان المستوعبات حتى تاريخ شحنها من المرفأ الى الشركات المستوردة.
الجميع يذكرون ان أعمال مرفأ طرابلس انجزت على رغم معارضة وزير الاشغال خلال فترة انجاز الاعمال الذي اراد انجاز هذه الأعمال حتى دون مراقبة الجهة الممولة، ولحسن الحظ اضطر الى مجاراة شروط الاتحاد الاوروبي، فصار لطرابلس مرفأ حديث، كان من المفترض ان تديره شركة اختصاصية من دبي، تدير مرافئ في الخليج والولايات المتحدة، لكن المسؤولين في هذه الشركة بعدما عانوا تصلب الجهات اللبنانية ومطالب المسؤولين قرروا الابتعاد عن العمل، وكانت النتيجة ان المرفأ يشغل بنسبة 10 في المئة من طاقته فقط، وان الجهاز الوظيفي من الجمارك ينحصر بعدد قليل من المراقبين، وتالياً لدينا مرفأ كامل التجهيز يقع في موقع مناسب للاستيراد الى لبنان وسوريا في آن واحد، لكن تشغيله لما هو فيه فائدة طرابلس واهلها ولبنان ككل لا يتحقق لاسباب متنوعة قد تكون منها مصالح ترتبط بمرفأ بيروت واصحاب هذه المصالح لا يريدون مواجهة منافسة.
كما الوضع في مرفأ طرابلس الذي يشغل بنسبة بسيطة من طاقته، هنالك وضع مشابه، بل اكثر ضرراً، يتمثل في تجميد العمل في مطار الرئيس رينيه معوض. فهذا المطار الذي استعمله النواب والوزراء كثيرًا للاغراض السياسية جمد استعماله والاسباب المعلنة هي ان الهبوط والاقلاع في هذا المطار يستوجبان هدوء الاوضاع في سوريا، وفي رأي خبراء الطيران ان هذه الحجة واهية.
السبب الحقيقي لاقفال مطار الرئيس رينيه معوض ان هذا المطار مناسب للرحلات السياحية المبرمجة كما هو مناسب لاستقبال طائرات الشحن الجوي التي يمكن ان تفرغ في المطار مستوردات لتجار لبنانيين وسوريين يستوردون سلعًا أو أدوية أو بضائع ذات قيمة جواً.
المسيطرون على مطار بيروت لا يرغبون في تطوير وتنشيط العمل في مطار الرئيس رينيه معوض، والمسيطرون امنيًا قد يجدون ان هبوط الطائرات في مطار رينيه معوض وضبط المستوردات امر يحرمهم من منافع كبيرة. وضرر اقفال مطار رينيه معوض يصيب الاقتصاد اللبناني في الصميم، ويمنع تحقيق فرص للسفر والاستيراد قد تكون فيها منفعة كبيرة لنسبة ملحوظة من اللبنانيين.
يمكن القول ان خفض حركة المرفأ واقفال مجالات تنشيط مطار الرئيس رينيه معوض أمران يؤديان الى فقدان فرص عمل لآلاف اللبنانيين، سواء في المرفأ أو المطار، كما في تحميل البضائع ونقل الركاب من هذه المرتكزات الاساسية للنشاط الاقتصادي المتنوع.
الفرص الضائعة لا تنحصر بالمرفأ والمطار ومعمل معالجة المياه، بل تظهر ايضًا في تأخير انجاز مصنع لتوليد الكهرباء في البداوي على مقربة من المعمل القائم.
العقد لانجاز معمل بطاقة 500 ميغاوات انجز عام 2013 وبعد اخلاء الارض من العسكريين ومباشرة الاعمال التحضرية برزت خلافات حول ما اذا كان سعر الانجاز المتفق عليه يشمل الضريبة على القيمة المضافة، مع العلم ان هذه الضريبة لا يفترض فرضها على مشاريع تجهيزية تمول من الخزينة، التي تدفع حينئذ قيمة الضريبة وتعود لتحصيلها. فالمنطق غائب بالنسبة الى هذا الخلاف، وكانت هنالك شكوى من ان الشركة القبرصية التي تعهدت العمل وتجهيز المصنع بمحركات من شركة General Electric تعمل على الغاز أو المازوت عاجزة عن تحقيق العقد، وقد تقدمت شركات صينية معروفة بعروض تسمح بالانجاز وتجاوز موضوع الخلاف على ضريبة. لكن وزارة الطاقة لم تبادر الى اتخاذ قرار بإطلاق العمل من جديد، بل هي اخذت تحضر للتعاقد على استيراد باخرة ثالثة لإنتاج الكهرباء تضاف الى الباخرتين المتوافرتين، كما قررت تمديد العقود القائمة وانجاز عقد لتوفير باخرة بطاقة 100 ميغاوات لفترة سنتين اضافيتين لجميع البواخر.
قياساً بما عانيناه كمواطنين من ازمة النفايات، لعل المثل الوارد يفيد عن مقدار اهمال الهيئات الحكومية والمبادرات الخاصة في طرابلس.
يقول الوزير نبيل دو فريج إن الاتحاد الاوروبي أنجز في محيط طرابلس معملاً لمعالجة النفايات بطاقة 500 طن يوميًا، وهذا المعمل يشابه في مواصفاته المعمل المنجز في صيدا والذي بات يشغل أخيراً بنسبة 75 في المئة من طاقته، وذلك لان مالكي معمل صيدا من القطاع الخاص، ويعملون حسب معطيات الاستثمار والمردود، مع تحقيق منفعة كبيرة لمدينة صيدا وجوارها.
المعمل المتوافر في طرابلس لم يشغل لان القرار يعود الى الحكومة، أي الى القطاع العام، فالتجهيز بأحدث المعدات قامت به هيئات الاتحاد الاوروبي، لكن تشغيل المعمل لا يزال ينتظر مبادرة من القطاع العام. واذا استوعب معالي الوزراء مغزى ومعنى عجزهم عن تأمين طاقم لتشغيل المعمل، عليهم ان يطلبوا من رجال الاعمال الطرابلسيين تأمين فريق لتشغيل المعمل، وتكون لهم فائدة من ذلك كما فائدة كبيرة لطرابلس ومحيطها. لكن مبادرات القطاع الخاص في الشمال لا تلغي الاهتمام المطلوب، والسبب غير المقبول هو التغاضي عن حاجات الشمال الملحة.
القتال في سوريا لا بد ان يتوقف، ومسيرة اعادة البناء ان تنطلق. ربما استمر القتال أشهراً أو حتى سنة وبعد ذلك حاجات سوريا الى مختلف الخدمات سوف تتعاظم وفرص العمل في سوريا ستكون كبيرة للمصارف اللبنانية العاملة في سوريا، كما لشركات التأمين والمقاولات، وسوف تشهد سوريا طفرة اعمارية ستكون لسنوات الاهم في الحجم والتنوع في منطقة الشرق الاوسط. ولبنان باهله، ورجال الاعمال السوريين الناشطين، سيكون له نصيب كبير في اعادة اعمار سوريا، وهذا الامل الابرز في مجال توقعات انتعاش الاقتصاد اللبناني التي تبدو ضعيفة الآن.
مرفأ طرابلس، مطار الرئيس رينيه معوض ومعرض رشيد كرامي الدولي، مرتكزات أساسية لمستقبل الشمال ولعملية اعادة اعمار سوريا، والتعجيل في تشغيل المنشآت القائمة وتحسين استغلالها أمر بالغ الاهمية للبنانيين، ومن بعد للسوريين.
الفرص المتاحة واضحة ويمكن اضافة أمور عددة اخرى اليها، مثل انجاز محطة لاستقبال الغاز المسيل لتأمين الغاز لمعمل البداوي القائم، والذي يفترض انجازه. لكن التقاعس السائد قاتل للآمال، ولا نقول الاحلام، فالحياة تفرض التطور لا التقهقر، وذلك لدى المواطنين، فعسى ان يتولى النواب دور المواطنين المسؤولين.