بعد شهرين من المعارك المستمرّة بين المقاومة والعدو على الحدود مع فلسطين المحتلة، تدخل المعركة طوراً جديداً أكثر ضراوةً، مع تعمّد العدوّ تكثيف ضرباته على بيوت المدنيين في القرى الحدودية. والتصعيد ضد المدنيين، لا يخرج عن الاحتمالات الواقعية لتدحرج الحرب على الجبهة اللبنانية، تزامناً مع تطوّر حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، والمحاولات السياسية اليائسة لتحييد المقاومة اللبنانية للاستفراد بالفلسطينيين في المرحلة الحالية.وعلمت «الأخبار» أن جهات معنيّة في القوات الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفل»، نقلت بداية الأسبوع الماضي، رسالةً رسميّة من العدوّ الإسرائيلي إلى حزب الله، مفادها أن «إسرائيل تعتبر كل ما يتحرّك على الحدود مع لبنان، بعمق يصل حتى 3 كلم، مدنياً كان أو عسكرياً، هدفاً مشروعاً لقواتها». طبعاً، لم تكد المقاومة تتلقّى الرسالة، حتى أجابت بمثلها، مؤكّدة للناقل بحسب معلومات «الأخبار»، أن «تنفيذ العدو لهذا التهديد يعني أن المقاومة سترّد بالمثل، باعتبار كل ما يتحرّك على مسافة 3 كلم في العمق الفلسطيني المحتلّ هدفاً مشروعاً، مدنياً كان أو عسكرياً».
وتأتي هذه الرسائل الملتهبة، ضمن النقاش السياسي المفتوح بين الدول الغربية الأساسية، حول ما يمكن فعله لتجنّب الحرب بين لبنان والعدوّ، وفي الوقت ذاته تأمين ضمانات أمنية للكيان الصهيوني بأن ما حصل في طوفان الأقصى لن يتكرّر من الجبهة اللبنانية.
ويحمل الموفدون الغربيون رسائل تهديد من العدوّ إلى المسؤولين اللبنانيين، بتدمير بيروت، والمطالبة باستنساب تطبيق القرار الدولي 1701 وانسحاب المقاومة من منطقة جنوب نهر الليطاني. بينما يسعى من يلتقي من الموفدين الغربيين مع المقاومة، إلى البحث عن تصوّر مشترك لما يمكن فعله لـ«تهدئة إسرائيل»، مع الأخذ في الاعتبار قرار المقاومة بالدفاع عن السيادة اللبنانية ودعم غزّة مهما كلّف الأمر.
وعلى الرغم ممّا يتمّ تداوله من أفكار، إلّا أنّ أحداً لم يطرح حتى الآن تصوّراً واضحاً عن شكل المشهد المستقبلي في الجنوب، إذ تتمسّك المقاومة بموقفها من أن وقف العدوان على غزّة هو المقدّمة لأي تهدئة محتملة ورفض تقديم أي ضمانة أمنية للعدوّ، بينما يقف الغربيون خلف ذريعة الجنون الإسرائيلي لطرح أفكار مرّ عليها الزمن.
«اليونيفل» نقلت تهديدات متبادلة بين العدو والمقاومة حول قواعد الاشتباك عند الحدود
ويصطدم أيّ كلام عن تعديل الـ 1701، من التعديلات البسيطة إلى الفصل السابع، بالأزمة التي يمرّ بها مجلس الأمن الدولي من انقسام حادّ منذ الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وبخشية الدول الأوروبية الأساسية المشاركة في اليونيفل من التداعيات الأمنية والعسكرية على قواتها. فمع المعارضة الروسية والصينية ــ وصولاً إلى الفيتو ــ لأي تعديل في مهمة اليونيفل، يصبح مستحيلاً على الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا إحداث أيّ تغيير في المهمة بغطاء دولي. وبحسب المعطيات الحالية، سترفض روسيا أيّ تغيير جوهري في مهمة اليونيفل في حال طُرح الأمر على مجلس الأمن، لما قد تعتبره تحايلاً من حلف «الناتو» لتوسيع الصلاحيات العسكرية لقوات تابعة بغالبيتها لجيوشه، يشبه التحايل الذي قام به الأميركيون والأوروبيون عشية العدوان على ليبيا. وإذا كان من الممكن مراهنة إسرائيل والغرب على الموقف الصيني، لغضّ النظر عن هذه المساعي واحتواء أيّ معارضة صينية محتملة، فإن «المعاناة» الصينية مع اليونيفل، تكفي لكي يرفض الصينيون منح دول «الناتو» صلاحيات إضافية. فعلى الرغم من مشاركة كتيبة صينية بفعّالية ضمن القوات البرية لليونيفل في جنوب لبنان، تتضامن الدول الأوروبية لرفض طلب الصين المساهمة في القوة البحرية لليونيفل عبر إدخال سفينة حربية صينية مخصّصة لأعمال المراقبة البحرية ضمن مجموعة السفن التابعة لليونيفل العاملة قبالة السواحل اللبنانية. وفي حين تضم المجموعة حالياً عدّة سفن بقيادة ألمانيا بينها سفن تابعة للبرازيل وتركيا واليونان وألمانيا وفرنسا، أكّد مصدر عسكري غربي لـ«الأخبار» أن «رفض الطلب الصيني للانضمام إلى القوة البحرية مردّه إلى الخشية الغربية من المعدات الإلكترونية التي تحملها السفينة الصينية وقدرتها على فهم ورصد وربما قرصنة المعلومات حول الحركة العسكرية للقوات الغربية على شاطئ المتوسّط والدخول إلى أنظمة السفن الغربية».
وفيما يخصّ الحديث عن تعزيز قوات الجيش اللبناني في منطقة جنوب نهر الليطاني، بالتوازي مع طلبات غربية بانسحاب المقاومة إلى شمال النهر، فإن هذا المنطق يصطدم بعائقين اثنين قبل الاصطدام بموقف المقاومة، الأوّل، أن الدول الغربية نفسها لا تملك أي تصوّر عن كيفية ردع أو ضمان عدم استمرار العدوّ الإسرائيلي بالاعتداء على السيادة اللبنانية، فضلاً عن وقف العدوان على غزّة. والثاني، هو صعوبة ضخ قوات إضافية من الجيش اللبناني في الجنوب لأسباب عديدة. فضلاً عن أن الجيش وعلى الرغم من عدم اشتراك أيّ من قواته بالمعركة ولا بأيّ شكل من الأشكال، تعرّض منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم إلى حوالي 60 استهدافاً مباشراً متعمّداً لمواقع الألوية والأفواج المنتشرة على الحدود وفي القرى الحدودية، فيما صمت الغربيون ــ الداعمون المفترضون للجيش ــ صمت القبور عن هذه الاعتداءات.
إذا قام الافتراض على القاعدة ذاتها التي ردّت بها المقاومة على التهديد الإسرائيلي الأخير، فإن المطالبة بخروج المقاومة إلى شمال الليطاني، يعني حكماً مطالبة المقاومة بخروج جيش العدو الإسرائيلي إلى جنوب حيفا.