أعترف بصوت مدوٍّ أن حنيني إلى الشمال لا يجفُّ، ولا يخفُّ، ولا يذبل. ومع أنه تغيَّر وتبدَّل، وصار شمالاً آخر ومختلفاً، فإنّي ما زلت أُراهن على دوره الأساسي في استعادة لبنان من فم الحوت. فمن الشمال يرجع لبنان، وليس من أية بوابة أخرى.
لذا، أضمُّ صوتي وقلمي وعتبي إلى كل ما أورده الصديق مروان اسكندر في مقاله الشمالي، وأشاركه في طرح الصوت على ذوي المسؤوليّة، والمعنيّين من متصدِّري الواجهة الشماليّة، علّهم ينفضون عنهم أغطية الخمول واللامبالاة…
كل الشمال معنيٌّ بهذا النداء – الاستغاثة، وليس مدينة معيَّنة، أو منطقة بحالها، أو شخصيّة تُلقى عليها المسؤوليّات بأثقالها. كل الشمال. كل الشماليّين، الذين زوَّدهم هذا الشمال أجنحة مميّزة، حلَّقوا بواسطتها في أجواء أخرى، ولم يقتربوا يوماً من ذلك الشمال الذي أنشأهم وزوَّدهم المحبَّة، والوفاء، والترفُّع عن كل ما ينتمي إلى دفتر الصغائر.
فالشمال، لمن يجهلون تاريخ لبنان الحديث كما القديم، كان هو الواجهة الأساسيَّة لكل اللبنانيّين، بلا استثناء.
وكانت طرابلس تحمل، بجدارة وتألُّق، لقب العاصمة الثانية، والمدينة الأكثر جاذبيَّة للسياح وكبار الزائرين، وأعرق الإرساليّات التعليميَّة والثقافيَّة الفنيَّة، فضلاً عن دولاب الحركة الاقتصادية والانتاجية والابداعية.
صحيح أن الشمال، وعاصمته الفيحاء، وأقضيته الأساسيَّة، والكورة التي كانت خضراء بصورة خاصة، قد تلقَّت ضربات، وتعرّضت للأذى بكل أصنافه، وكذلك الحال بالنسبة إلى عكار وما حولها، إلاّ أن الشماليّين لم يتغيَّروا. ولم تتزحزح العلاقة الأصليّة التي تشدّهم بعضهم إلى البعض.
على ما تأخذني إليه الذاكرة في هذه اللحظات، ساحة النجمة في طرابلس كانت هي المحرِّك الأساسي لتظاهرات العالم العربي، حتى في عزِّ زمن الرئيس جمال عبد الناصر.
وكانت الكورة، عاصمة العلم والثقافة والصراع الفكري، هي الرافد الأساسي للجامعة الأميركية في بيروت، ولعدد من الجامعات المتخصّصة، بالمتفوّقين في مختلف الحقول.
ماذا عن عكار، الإهراء الأوّل والأكبر للبنان والجوار، ولبلدان عربيّة قريبة أو بعيدة؟
ثم ماذا عن زغرتا التي زوَّدت لبنان رئيسين للجمهوريّة، وتاريخاً حافلاً بالبطولات والمنصهرين في بوتقة وطنية راسخة بعيداً من كل ما هو متطرِّف في أيِّ من الانتماءات؟
وكيف نقدِّم إهدن وبشرّي وباقي البلدات، ومحجّة السياح والزائرين وأبطال التزلّج على أدراج “جبل الأرز” وحصائر الثلج؟
باختصار الشمال مهمل حتى الثمالة. ويفتقد زعماءً كباراً كانوا يتصدّرون الصفوف، ويحملون الشمال ومطالبه، دون تمييز أو تفضيل.
وَيْنُنْ وَيْنُنْ، صار في وادي بين الشمال وبَيْنُنْ !