IMLebanon

خطة البقاع الشمالي بين الماضي والحاضر وسؤال المعنيين والأهالي: متى الخطة التالية؟

الخطة الأمنية في البقاع الشمالي انطلقت أخيراً. هكذا تتحدث البلاغات الصادرة عن الجهات الرسمية المعنية. غير أن لأهالي البقاع سؤالاً آخر هو: متى موعد الخطة التالية انطلاقاً من اعتقاد فحواه ان هذه الخطة كسابقاتها الكثر تحتاج الى ما يليها؟

الخطة الجديدة ليست الاولى من نوعها، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة في هذا الحيز الجغرافي القصي من لبنان والذي يتم التعامل معه دوماً على أساس أنه بيئة تساعد على نمو ظواهر الخروج على القانون.

ففي السياق التاريخي القريب، ترسّخ في الخواطر ان هذه المنطقة هي حاضنة الطفّار، وهو المصطلح الذي أطلق على مجموعة من المطلوبين الذين احتموا بجرود الهرمل أيام كانت وعرة قصية يصعب على آليات قوى الأمن دخولها، الى درجة ان الذاكرة الشعبية تذخر بمخزون عن قصص تروى عن مسلكية هؤلاء الطفار وكيفية تعاملهم مع رجال السلطة ومع البسطاء من الناس والفقراء.

ولطالما حدّثنا معلمنا الأكبر الراحل غسان تويني عن رحلات صحافية قام بها أيام “طلعة” الشباب الى هاتيك المجاهل كما كان يسميها، وعن لقاءاته مع هؤلاء الطفار وأعيان تلك المنطقة والصداقات التي عقدها معهم.

انها إذا مشكلة مزمنة تضرب جذورها الى عقود خلت، الى الايام الاولى للجمهورية، ولم يعد خافياً ان الرئيس الراحل فؤاد شهاب هو من اوائل الذين سعوا الى معالجة العلاقة المتوترة بين البقاع الشمالي وبين ا لسطلة المركزية عبر مقاربة سياسية – اجتماعية – انمائية وذلك إبان كان قائداً للجيش في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون امتداداً الى ايام صار خلفاً له في سدة الرئاسة الأولى. وتذكر صفحات التاريخ ان شهاب شكل لهذه الغاية ما يشبه خلية أزمة تضم رجالاً اكفاء مهمتها متابعة هذا الموضوع ومعالجته عبر مقاربة علمية سوسيولوجية انمائية، ونجح الى حد بعيد في ترويض حركة هؤلاء وكبح جماحهم وخفض مستوى التمرد من خلال نسج علاقة مع النسيج العشائري المنتشر في تلك المناطق.

وبناء على هذا الايجاز التاريخي لاشكالية العلاقة بين السلطات بكل عهودها الاستقلالية وبين شريحة واسعة من محافظة بعينها، فان للخطة الامنية الحالية التي تحدث عنها وزير الداخلية نهاد المشنوق طويلاً قبل أن تنطلق جذوراً ضاربة وتجارب مماثلة على نحو لا يعطي هذه التجربة الجديدة صفة الفتح المبين او السابقة التي ليس لها ما يماثلها. والسؤال المطروح: لماذا الخطة الامنية الآن؟ وما هي ملابساتها وظروفها غير المرئية؟ واستطراداً ما الجديد المختلف الذي يمكن ان تتمخض عنه هذه الحملة الامنية من شأنه ان يحدث تحولات امنية – اجتماعية – سياسية تعزز الاستقرار من جهة وتوجد الارضية المناسبة لحل معظلة تكبر على صدر الأيام اسمها قضية المطلوبين؟

ثمة، استهلالاً، احصاءات رسمية غير نهائية تشير الى ان عدد المطلوبين في البقاع الشمالي يتعدى الثلاثين الفاً، فيما احصاءات أخرى ترفعه الى الخمسين الفاً. وصفة المطلوب هذه تنطبق على المتهمين بالقتل وبالخطف وبسرقة السيارات وبتجارة المخدرات وتصل نزولاً الى البناء من غير رخصة والى مخالفة قوانين السير.

وهذا ان دل على شيء فانما يدل على ان المشكلة ذات أوجه متعددة، فهي مزمنة وواسعة ومعقدة، واستتباعاً متشعبة لا تحلها خطة أمنية يشعر الكثيرون ان فيها من الاستعراضية والغرضية السياسية الشيء الكثيرولا تحقق مرادها من خلال القاء القبض على مجموعة من المطلوبين، خصوصاً اذا ما ثبتت المعلومات الرائجة والتي تتحدث عن هؤلاء المطلوبين، ولا سيما الخطرين منهم، انهم صاروا منظمين وقادرين على اتقان لعبة القط والفأر بينهم وبين الاجهزة، الى درجة ان ثمة من يقول انه صار لديهم مخبرون مزروعون داخل هذه الاجهزة يزوّدونهم تحركات المجموعات الامنية قبل انطلاقها.

واذا كانت كل تلك المعطيات توحي سلفاً بالنتيجة غير الحاسمة لهذه الخطة فلا ريب ان ثمة أسباباً أخرى دفعت الوزير المشنوق الى اطلاقها وتسليط الاضواء عليها قبل حدوثها وتصويرها على انها “تسونامي” أمنية، وثمة أيضاً أسباب كامنة لدى الجهتين السياسيتين اللتين تحتكران التمثيل السياسي والنفوذ في البقاع الشمالي، أي “حزب الله” وحركة “أمل”، لكي تسارعا الى تأمين التغطية السياسية اللازمة لهذه الخطة.

ليس خافياً ان حديث الوزير المشنوق عن خطة موعودة للبقاع الشمالي قد بدأ منذ انطلاق خطة الشمال الأمنية، وهدفها الجوهري مكافحة المجموعات ذات الصلة بالارهاب ورصد خلاياها بعد تناميها وتصاعد خطرها.

ولم تُنسَ بعد المقاربة التي عقدها المشنوق يوماً بين الارهابيين المطاردين وبين المطلوبين في البقاع الشمالي وجعلهما متوازيين ومتعادلين مما أثار في حينه ردة فعل واسعة رافضة.

وهكذا ثمة في أوساط سياسية معنية اعتقاد فحواه ان المشنوق ومحوره السياسي كانا في حاجة لاطلاق هذه الخطة واحاطتها بهذا الكم من الاضواء لاهداف واضحة تندرج في خانة “الامن بالتوازي” على غرار “الأنماء المتوازن”.

واستطراداً كان ثمة حاجة ملحة لهذه الخطة بغية خفض منسوب التوتر الذي ساد مناطق الشمال تحت عنوان قهر شريحة بعينها وغض الطرف عن شريحة أخرى تنتمي الى طائفة بعينها.

ومما زاد الحاجة الى هذه الخطة ورفع منسوب مشروعيتها هو تنامي ظواهر الخطف من أجل الفدية في البقاع، وتنامي ظاهرة سرقة السيارات بقصد بيعها من مجموعات التفخيخ والتفجير، فضلاً عن ازدهار نسبي لسوق الاتجار بالمخدرات ومظاهر أخرى للاخلال بالأمن.

وفي المقابل لم يكن في مقدور الثنائي الشيعي تسجيل اي اعتراض على أي خطة أمنية لأسباب عدة منها:

– لا يمكن مبدئياً معارضة أي خطة عنوانها العريض مكافحة الفلتان على أنواعه.

– الحاجة الى تأمين الاستقرار في منطقة تشكل الخزان لـ”حزب الله” كي يمضي قدماً في مهماته الأخرى، المستجد منها والقديم.

– ان الثنائي الشيعي نفسه بات محرجاً من جراء ازدهار عمليات الخطف من أجل الفدية وسواها من أعمال مخلّة.

عموماً، أن للحزب والحركة مصلحة كبرى في ضبط الوضع وانهاء كل مظاهر الفلتان في منطقة محسوبة عليهما بالكامل، وقد صارت جزءاً عضوياً من خطوط الاشتباك الاقليمي (عرسال وجوارها).

ومع ذلك فان مصادر الطرفين لا تخفي ملاحظاتها على 3 أمور: الاول عملية الربط بين الوضع في البقاع الشمالي الناجم عن أسباب اجتماعية وأمنية وبين مكافحة الارهاب المستشري في مناطق وبيئات أخرى. والثاني ربط الخطة دوماً بالارادة السياسية لهذا الثنائي على نحو يبدوان معه وكأنهما كانا يؤمنان غطاء للمخلين والمطلوبين، افراداً كانوا ام جماعات. والثالث ان ثمة ملاحظات لدى هذين الطرفين على طريقة المعالجة واقتصارها على الشق الامني من دون الالتفات الى شق الانماء المتوازن لمنطقة نكبها الحرمان المزمن والعيش على هامش الجمهورية.

في اي حال، الخطة بدأت، ولكن السؤال يبقى لدى المعنيين: متى موعد الخطة المقبلة؟