نتيجة واحدة استخلصها الصحافيون الذين جالوا أمس بدعوة من قيادة الجيش اللبناني على معبر «الشركة المتحدة» غير الشرعي في منطقة وادي خالد، ألا وهي: الجيش اللبناني يقوم بواجباته في هذه المنطقة الحدودية وفقاً لإمكانياته المتوفرة، ولما تسمح به طبيعة المنطقة الجغرافية ومكوناتها الإجتماعية. أما العبرة فهي في مدى مضي الدولة فعلياً بتطبيق توجهاتها العامة المعلنة تجاه هذا الملف، وبالتالي اتخاذها الإجراءات العملية الآيلة للحدّ من مخاطر النزوح السوري، وذلك بعد سنوات من وقوفها موقفاً محايداً تجاهه، أوصل الحال لما وصلت إليه من فوضى عارمة، تهدد بالتحوّل إلى «أزمة وجودية» وفقاً لما نبّه منه قائد الجيش العماد جوزاف عون.
فاجأ عدد الصحافيين الذين شاركوا في الجولة، من مراسلي صحف وتلفزيونات ووكالات أنباء محلية وعالمية، قيادة فوج الحدود الأول المعنية بضبط الحدود الشمالية. وقد اعتبرتها دليلاً على القلق الذي يستشعره اللبنانيون عموماً من موجة نزوح ثانية، ظهرت ملامحها منذ شهر آب الماضي، عندما أحبط عناصر فوج الحدود في هذه المنطقة، ثمانية آلاف محاولة دخول خلسة لسوريين، معظمهم من الشبان، لتتابع هذه الموجة في شهر أيلول، الماضي حيث تمكن الجيش من توقيف وترحيل نحو 4500 آخرين. وهو ما رفع عدد محاولي الدخول خلسة الموقوفين خلال هذا العام إلى 22 ألفاً و820 سورياً مقابل 20 ألفاً و325 شخصاً حاولوا الدخول خلسة من بوابة الشمال حصراً في العام الماضي.
تحديات الفوج
إلا أن الملخّص التي قدمته قيادة الفوج عن تحدياتها في تنفيذ مهماتها بالنسبة لمكافحة عمليات التهريب، سواء للأفراد أو البضائع، ترك انطباعات كثيرة بأن الكلام السياسي المرافق لهذا الملف منذ أشهر، لم يخلّف أثراً يذكر، أقله من ناحية ردع محاولات التسلل المستمرة. وقد يكون سبب ذلك، أنّ السوريين الذين يستمرون بمحاولة الهروب إلى لبنان أيضاً، واثقون تماماً بأنّ الدولة اللبنانية لا تطبّق قراراتها عادة. حتى لو كانت الدولة في هذه الحالة لا تتحمل المسؤولية وحدها، وإنما أيضاً المجتمعات المحلية، من بلديات ومخاتير وأهالٍ، لا يقدمون للجيش الدعم الكافي في تنفيذ مهمته، لا بل بعضهم يسهّل للمهربين مهماتهم، سواء عبر إيواء هؤلاء وحمايتهم، أو عبر تواطئهم في تأمين وسائل التفافهم على العوائق التي يفرضها الجيش اللبناني، وخصوصاً عند حاجز شدرا.
وعند هذا الحاجز كشف العناصر أساليب مختلفة من محاولة تهريب الأشخاص، سواء في صهاريج غاز، أو داخل هياكل الشاحنات، وطرق مبتكرة أخرى، عرضها فوج الحدود أيضاً، وتبيّن أنها تحتاج إلى أكثر من عقل مخطط ومنفّذ لعمليات التهريب، وكل ذلك بذريعة الضيقة الإقتصادية، التي جعلت جزءاً كبيراً من هذه المجتمعات متورطاً بعمليات التهريب، سواء بالتخطيط، أو التنفيذ أو حتى التواطؤ وتأمين الغطاء لها.
توقيت التحذير: خطر فعلي
عن سؤال وجهته مراسلة محطة تلفزيونية غربية عن السبب الذي يجعل الجيش يتحرك الآن للتحذير إعلامياً من هذه الموجة، مع أنّ حركة التهريب عبر هذا المعبر لم تتوقف يوماً، أجاب العميد الياس عاد المدير الإقليمي للتواصل البري الإستراتيجي، «بتنا اليوم نستشعر خطراً فعلياً».
من الأسباب البارزة التي ترفع من منسوب القلق لدى الجيش، أنّ معظم محاولي الدخول خلسة في الآونة الاخيرة هم من الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة. وتبيّن النظرة الواقعية أن لذلك قطعاً دوافع داخلية تتعلق بلبنان، ولكن أيضاً هناك دوافع تتعلق بسوريا ونظامها أيضاً. إذ أنّ معظم محاولي الدخول خلسة هم من المطلوبين للخدمة الإلزامية التي لا مفر منها في سوريا. ودخولهم إلى لبنان خلسة يجعلهم فارين من هذه الخدمة. هذا مع العلم أنّ الخدمة الإلزامية هي سبب معلن لدى قسم كبير من الشبان السوريين المقيمين في لبنان، لعدم رغبتهم بالعودة إلى بلادهم. وهذا ما يحمّل سوريا ونظامها مسؤولية الدفع بشبابها إلى لبنان، الذين إمّا يقصدونه كمعبر ينقلهم عبر طرق غير شرعية أيضاً إلى أوروبا، او للإقامة والعمل بشكل غير شرعي، علماً أنه في العام 2015 كلفت الحكومة اللبنانية الأمن العام اللبناني إبلاغ مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوقف عمليات تسجيل النازحين، نظراً لانتفاء أسباب الهروب الإنسانية، وبات هؤلاء يصنفون إمّا هاربين من الخدمة الإلزامية أو ممن يبحثون عن فرصة عمل أو مساعدات من مفوضية اللاجئين.
وهذا ما يجعل السلطات السياسية والقضائية والأمنية اللبنانية مسؤولة عن التحقق من طبيعة هذا النزوح الشاب، الأمر الذي يبدو غائباً حتى الآن. إذ أنه لدى سؤال العميد عاد عما يحصل مع الشبان الذين يتم توقيفهم في محاولة التسلل، أجاب أن هؤلاء يرحلون بعد أن يتم تجميعهم، ولم يذكر أنهم يخضعون لأي نوع من التحقيقات لدى أي جهاز من أجهزة الضابطة العدلية، حتى لو كان النزوح السوري الشاب يثير هواجس كثيرة لدى اللبنانيين، من مخططات تسيء لأمن بلدهم وإستقراره الإجتماعي والإقتصادي.
عملية الترحيل
أما عملية الترحيل فتتم إما عبر المعابر الشرعية بالتنسيق مع الجانب السوري، أو عبر المعابر غير الشرعية. وتبيّن خلال الجولة الميدانية أنّ معظم الترحيل يتم عبر «معبر الشركة المتحدة». هذا المعبر هو أحد أبرز المعابر غير الشرعية التي إختارتها قيادة الفوج كنموذج لإطلاع الصحافيين على طبيعة الأرض في هذه المنطقة، التي تجعل من كل نقطة على طول مجرى نهر الكبير، معبراً غير شرعي، يسهل سلوكه صيفاً، ليصبح عبوره أصعب شتاءً، ولكن حركته لا تتوقف.
إلا أن الزيارة الميدانية لم تتسع لتطلع الصحافيين على معابر التهريب الأخرى، والتي ذكرت قيادة الفوج أنها تمتد على مساحة 110 كيلومترات من الحدود الفاصلة، حيث تتداخل الأراضي، وتتشابك العلاقات العائلية والإجتماعية، وهو ما يصعّب مهمة الجيش في هذه المنطقة، خصوصاً أنّ السوريين المقيمين في منطقة وادي خالد يتوزعون في المدن، وأقلية منهم فقط تقطن المخيمات التي لا يتجاوز عددها الـ15 وفقاً للشرح الذي قدمته قيادة الفوج. وهذا ما يضع أعباءً إضافية للقيام بمهمات إستقصائية مستمرة، خصوصاً بعدما بات عدد السوريين في نطاق قطاع فوج الحدود الأول يوازي أعداد اللبنانيين.
إذ وفقاً للإحصاءات التي قدمتها قيادة الفوج، وصل العدد التقريبي للسوريين المقيمين في هذه المنطقة إلى نحو 80 ألف نازح، بينما يبلغ عدد اللبنانيين 95 الفاً، جميعهم يقطنون في 56 بلدة تقع ضمن قطاع فوج الحدود الأول. هذا في وقت لا يتجاوز عديد عناصر الفوج الـ1200 عنصر يتوزعون على 31 مركزاً، وعشرة أبراج مراقبة مجهزة بالكاميرات وتجهيزات الإستشعار. بينما الحاجة وفقاً لقيادة الفوج هي لعشرة أفواج من أجل تغطية المهمات بالشكل اللازم. بالإضافة إلى حاجات أخرى حددتها قيادة الفوج في العرض الذي قدمته ومن بينها: التعاون بين الطرفين اللبناني والسوري، إتخاذ إجراءات رادعة للمهربين، والتي تتطلب تطوير قوانين الإقتصاص منهم، ترشيد الإنفاق على النازحين من قبل المنظمات الدولية، مع وضع آلية عمل واضحة عن طريق الدولة ومؤسساتها، منع البناء على الأملاك النهرية، ومعالجة موضوع الأبنية المخالفة للحد من استغلالها في تخزين البضائع المهربة وإيواء الأشخاص المهربين خلسة.
كما طالبت قيادة الفوج بشكل خاص بـ»تنفيذ مشروع شق طريق على طول مجرى النهر الكبير الجنوبي، من منبعه حتى مصبه، بما يسمح لها بالتدخل بطرق أسرع في ملاحقة عمليات التهريب».
هكذا اختصرت قيادة الفوج حاجاتها حتى تصبح راضية عن النتائج التي تحققها في مكافحة عمليات التهريب في هذه المنطقة. أما ما حققته حتى الآن فهو أقصى ما يمكنها وفقاً لإمكانياتها، والتي يتبين أيضاً أن لا فضل للدولة اللبنانية بتوفيرها، وإنما هي مكتسبات خاصة للجيش من الهبات الأجنبية.
وهكذا إذاً إكتفى الصحافيون من الجولة بما قدم لهم في محطتي «معبر الشركة المتحدة» وبرج المراقبة في شدرا. ربما لكون أقلامهم جفت من كثرة عرض مشاكل هذه المعابر، من دون أن يبدّل ذلك في الأداء السياسي العام، أقله من ناحية ترجمة الأقوال إلى أفعال.