IMLebanon

الجبهات الشمالية… وسقوط مخطّط المنافذ البحرية

شكّلت عملية بقاعصفرين التي إستهدفت حاجز الجيش اللبناني موقِعة شهيداً وجريحاً جرسَ إنذارٍ للرأي العام لا سيما أنّها أتت بعد فترة هدوء أمنية عاشتها منطقة الشمال خصوصاً ولبنان عموماً.

كثُرت التّحليلات عن توقيت العملية الإرهابية وأهدافها والمخطّطات المرسومة من ورائها، فيما التحقيقات مستمرة لمعرفة كلّ الخيوط وهويّة الجهة المنفّذة سواءٌ كانت «داعش» أو أيّ مجموعة إرهابية أخرى.

وفي هذه الأثناء عاد الى الذاكرة ما شهدته منطقة الضنية والجوار من أحداث أمنية واعتداءات، لعلّ أبرزها كان أحداث الضنية عام 2000 وحرب نهر البارد عام 2007 التي أدّت الى القضاء على تنظيم «فتح الإسلام».

سقطت كلّ المحظورات في المواجهة الكبرى مع الإرهاب، ولم يعد باستطاعة أيّ قوة سياسية مهما بلغت من عظمة وإمتداد وضع خطوط حمر في وجه الجيش مثلما حاول البعض فعله في بدايات مواجهات «البارد».

واللافت بعد إعتداء بقاعصفرين كان حجم الاستنكار الشعبي في الضنية وعكار، علماً أنّ عكار والشمال وخلافاً لما يُحاول البعض تصويره على أنّهما بيئة حاضنة للإرهاب، فهما خزّان الجيش الأساسي ويدفعان الفاتورة الكبرى من الشهداء في مواجهة الإرهاب على إختلاف أنواعه وتسمياته.

من جهة ثانية، يبقى الخوف الأكبر من أن يكون اعتداء بقاعصفرين بداية لمسلسل اعتداءات على الجيش أو ما يُشبه «نهر بارد» جديداً، حيث يتوسّع ليشمل هجمات على مراكز الجيش المنتشرة هناك.

وفي هذا الإطار، يؤكد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش يجري الحسابات الدقيقة ويضَع كلّ الاحتمالات أمامه، لأنّ الفترة ليست فترة إسترخاء أمني، لكنّ التحقيقات لم تُظهر حتى الساعة أنّ هذه العملية بداية لمرحلة مواجهة كبرى، وذلك وفق العوامل الآتية:

أولاً: يبدو أنّ العملية منعزلة، إذ لم تحصل ردّات فعل أو اعتداءات على مراكز الجيش في مناطق أخرى من الضنية أو عكار أو طرابلس، بل بقيَت محصورة في مكانها وزمانها، وهذا يعطي مؤشراً عسكرياً جدياً إلى أنها منفردة مع عدم حذف احتمال تكرارها وتوسيع رقعتها.

ثانياً: كشَف المسح العسكري والاستخباري للمنطقة على امتدادها عدمَ وجود تجمّعات مسلّحين أو عمل ما يُحضّر، فقد نفّذت الوحدات العسكريّة والإستخبارية تمشيطاً واسعاً في كلّ المناطق وخصوصاً منطقة الجرود التي قد تشكّل مخبأً طبيعيّاً للمسلحين، وهذا الأمر يعاكس أحداث «نهر البارد»، حيث كان هناك علم بوجود مسلحين في المخيم، وبدأت المواجهات من الكورة وامتدت الى طرابلس والمخيّم.

ثالثاً: القضاء على معظم البؤر الأمنية في الشمال ومن ضمنها «نهر البارد» وكلّ التجمعات التي كانت تشكّل مأوى للإرهابيّين، وبالتالي فإنّ إحتمال وجود بعض المجموعات الإر هابيّة وارد، لكنّه لا يشكل خطراً على الأمن القومي ولا يمكنه إقتطاع مناطق بأكملها.

رابعاً: ينفّذ الجيش مداهمات دورية لمخيمات النازحين السوريين في عكّار والضنية وطرابلس، حيث باتوا تحت السيطرة وأيّ تحرّك محتمل من تلك المخيمات غير وارد حالياً.

خامساً: سيطرة الهدوء على طرابلس ساعدت على ضبط الوضع الشمالي بعدما كانت ساحة حرب طوال السنوات الماضية، وكان التركيز الأمني منصبّاً عليها، حيث أدّت الفوضى الى تشكيل بعض المجموعات التي حاولت الإتصال بسوريا أو إعلان ولائها لـ«جبهة النصرة» و»داعش».

سادساً: الاحتضان الشعبي للجيش والقرار السياسي والديني بمحاربة الإرهاب، بعدما ذاقت تلك المناطق الأمرّين من الحروب وانتشار البطالة والفقر.

وأمام كلّ هذا الواقع، يؤكّد المصدر العسكري لـ«الجمهوريّة»، أنّ «المخطّط المتداوَل سابقاً من محاولة «داعش» اجتياح عرسال والبقاع والتوسّع نحو بعلبك والهرمل والنزول شمالاً لإعلان إمارة في طرابلس وعكار والضنية وتأمين منفذ بحري بات من الماضي ولم يعد الحديث عنه جدياً، وكلّ ما يتمّ تداوله في هذا الإتجاه هو سيناريوهات وهميّة».

ويلفت الى أنّ «الجيش حصَّن جبهات عرسال ورأس بعلبك والقاع بشكل لا يمكن اختراقه وانتشر على طول السلسلة الشرقية متسلِّحاً بأسلحة متطوّرة وتقنيّات مراقبة حديثة وتعاون استخباري مع الدول الكبرى وخصوصاً دول التحالف الدولي ضدّ «داعش».

ويشدّد المصدر على أنّ «هذا التحرّك في الشمال يبقى معزولاً وساقطاً في المفهوم العسكري، فعرسال كانت جبهة مفتوحة على الحدود السورية

ويحتلّ جرودها «النصرة» و«داعش»، أما في الشمال فلا وجود ظاهراً لهذين التنظيمين ولا يحتلّان أيّ منطقة، فيما يبقى أسوأ الاحتمالات وجود خلايا نائمة أو مجموعات موالية لهما.

ومن جهة ثانية، فإنّ حدود الشمال مع البقاع مقفلة ومراقبة، وكذلك من جهة وادي خالد في وقت يسيطر فوج الحدود البرّي والمجوقل واللواء العاشر وأفواج وألوية أخرى على كلّ المنطقة».

ويشير المصدر الى أنّ «التحقيقات الأخيرة مع إرهابيين تمّ إلقاء القبض عليهم تؤكّد أنّ مخطط التوسّع في الشمال سقط، وخطط تحرّك الخلايا المسلّحة كانت مبنيّة على أساسات ضعيفة، وتفتقد الى العتاد والعديد والإمتداد الجغرافي، في وقت باتت المعركة السوريّة في مكانٍ آخر، وكلّ ما يحصل شمالاً هو قلاقل ومحاولة افتعال هزات أمنية، لا يجب تضخيمها، لكن في الوقت نفسه لا يمكن الإستهانة بها، بل إنّ كلّ الخيارات مفتوحة لحظة تعلَن ساعة المواجهة».