قد تكون دائرة المتن الشمالي واحدة من الدوائر الإنتخابية التي يمكن تحديد نتائجها قبل يوم ١٥ أيار لوضوح الصورة الإنتخابية فيها وشكل البلوكات والتحالفات بحيث يمكن قراءة الأرقام مسبقا استنادا الى ماكينات الأحزاب والاحصاءات.
هذا لا يلغي حقيقة ان معركة المتن قاسية، لأنها ستحدد الأحجام والأوزان في دائرة الأحزاب المسيحية الكبرى والزعامات العائلية والقوى التقليدية ، كما سيتبين مدى تأثر المتن بالمتغيرات السياسية التي حدثت بعد «ثورة ١٧ تشرين»، خصوصا ان معركة الدائرة مسيحية – مسيحية، فلا مقاعد او تمثيل إسلامي لقضاء المتن في البرلمان النيابي.
يصف المتابعون انتخابات ١٥ أيار ٢٠٢٢ بالمنازلة الإنتخابية الكبرى بين الأحزاب نفسها في المتن التي كبر حجم بعضها، وتراجعت أخرى نتيجة تراجع الأحداث وانحسار العمل السياسي والحزبي على مستوى الدائرة وفي الوقت ذاته يسجل المتابعون صعوبة اختراق المعارضة او المجتمع المدني .
مع الدخول في العد العكسي للانتخابات زادت الحماوة الانتخابية والتنافس على أشده بين لوائح «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات» و»الكتائب» و»الأحرار» وتحالف «الطاشناق» و»القومي» وميشال الياس المر ومع «القوى التغييرية» والمجتمع المدني .
مبنى العمارة التي بناها الرئيس الراحل الوزير ميشال المرّ، تحوّلت الى خلية نحل بمجرّد ان قرّر ميشال الياس المرّ خوض المعركة الانتخابية، وهو العائد من لندن بعدما اكمل دراساته في العلوم الاقتصادية.
كما ان المخاتير ورؤساء بلديات المتن الشمالي الذين كانوا في الخط السياسي الذي مارسه الراحل ميشال المرّ، كثفوا اتصالاتهم مع القواعد الشعبية وفاء للرجل الذي وقف الى جانبهم دوماً وساندهم في كل المحطات، فقد كان كريماً، قدّم المساعدات لاهالي المتن الشمالي الذين بقوا اوفياء له، خصوصاً ان يديه لم تتلطخا بالدماء طوال فترة عمله السياسي.
كما ان خدمات الوزير الياس المرّ، اعطت نتائج كبيرة في المتن عندما كان وزيراً للداخلية او وزيراً للدفاع، وكانت كل الخدمات التي يقدّمها للمتن ضمن القانون، الاّ ان الروتين الاداري كان يعرقل عمله نوعاً ما، لكنه وضمن القانون لم يتورّع عن تسريع بعض الخدمات لاهالي المتن.
ميشال الياس المرّ، هو الحصان الواعد على المقعد الاورثوذكسي في المتن، وهو المسيحي المؤمن، وعلى وجهه تقرأ براءة النيّة الطيّبة، وحبّه وتفانيه من اجل خدمة اهالي منطقته. كانت لميشال الياس المرّ فرص كثيرة للبقاء في لندن، ولديه الامكانات المادية لذلك، الا انه رفض كل العروضات، وقرّر خوض المعركة الانتخابية وفاء لاهالي المتن الاوفياء. وكل الاحصائيات تدلّ على انه يتقدّم، مع انه يخوض للمرة الاولى غمار الانتخابات النيابية.
تبرز قوة العائلات وزعامة المر في المتن الذي يعتبر المعقل السياسي لزعامة المر، حيث قيل في الماضي ان «النائب الراحل ميشال المر حكم لبنان من العمارة» وقد راكم المر رصيدا منحه لقب الزعامة الأورثوذكسية في زمن الإحباط المسيحي.
التاريخ يعيد نفسه، تحضيرا لمعركة ميشال الياس المر الذي يستفيد من الإرث الخدماتي والشعبي لعائلة المر، اضافة الى رصيده الخاص من العمل الشبابي في المتن، حيث يعرف عنه انفتاحه على الجميع، وقد نزل ميشال المر الى المعركة بقوة بصياغة تحالف متين مع ائتلاف «الطاشناق» و»القومي» وشخصيات متنية .
تمتلك لائحة «معا أقوى» حظوظا كبيرة، ويستفيد ميشال المر كونه ليس حزبيا مع زيادة النقمة الشعبية المؤيدة للأحزاب وأخطاء الأحزاب المسيحية في المتن، المرشح ميشال الياس المر منفتح على القوى المتنية، و قرار ترشحه شكل مفارقة، مع انه مدرك لمخاطر العمل السياسي، و تاريخ العائلة يتحدث عن محاولات الاغتيال التي استهدفت عائلته.
استطاع ميشال الياس المر ان يؤسس سريعا لحالة شعبية قوية في المتن من خلال تواصله وانفتاحه على الجميع، فهو ينظر الى المتن على انه منطقة نخبوية، وخوضه الإنتخابات النيابية من اجل خدمة المتن والمساهمة في انمائه، كما يهتم بتعافي لبنان ولديه خطط اقتصادية ومالية .
في العمارة يلتقي المر بالناس ويسأل عن شؤونهم ، ويؤكد لمن يلتقيهم ان ترشحه أمانة كبيرة أوكلت اليه، وانه رفض الهجرة ومغادرة لبنان، ويطمح الى لبنان لا هدر فيه ولا صفقات وتهجير للشباب.
رافق المر جده في جزء من مسيرته المتنية واكتسب خبرة في إدارة الانتخابات، مما يجعله رقما يحسب له في انتخابات المتن ويعزز حظوظ لائحته.
الى جانب رصيد المر الشعبي، فان وجود «الطاشناق» في لائحة «معا أقوى» يعزز فرص وصولها الى حاصلين، فـ «الطاشناق» بيضة قبان، ولديه بلوك إنتخابي ولطالما ترشح «الطاشناق» تاريخيا مع آل المرّ و»الكتائب» قبل ان ينتقل عام ٢٠٠٥ للجمع بين المر و»التيار» ليرسو في انتخابات ٢٠١٨ مع «التيار» ويعود ليتحالف في ال ٢٠٢٢ مع ميشال المر.
دائرة المتن من أكثر الدوائر حدة في الإنتخابات، سجل فيها «التيار الوطني الحر» في الدورات الماضية تسونامي وحصل على ثلاثة مقاعد لحزبيين مع مقعد رابع لـ «الطاشناق»، وبحسب التوقعات فان معركة المتن ذاهبة الى كسر عظم بين لوائح «التيار» و»الكتائب» و»القوات» ولائحة المر، حيث تعمل «الكتائب» على تخطي حاصلين انتخابيين، وتتطلع لائحة المر و»الطاشناق» الى حاصلين.
في الدورات الماضية، احتدم الصراع بين «التيار الوطني الحر» و»الكتائب» على المقاعد المارونية، فيما ينتقل الصراع اليوم بين «التيار» و»القوات» على المقعد الكاثوليكي، وتسعى «الكتائب» الى التوسع نحو مقعد ماروني من حصة «التيار»، اما اورثوذكسيا فالوضع شبه محسوم في المقعد الأورثوذكسي للمرشح ميشال الياس المر كما تقول الاحصاءات الإنتخابية،
وامكان فوز النائب الياس بوصعب الذي لم يكن يريد الترشح، الا ان الوزير جبران باسيل فرض عليه ان يترشح.
يعتبر «التيار الوطني الحر» ان المتن «عرينه» السياسي، حيث حقق تسونامي انتخابيا ويخوض معركة على مقاعد نوابه الحاليين الثلاثة ابراهيم كنعان وادي معلوف والياس بو صعب، فيما تبدو معركة «الكتائب» المتنية مرتاحة للنائبين سامي الجميل والياس حنكش على اعتبار ان المتن يعتبر معقل «الكتائب» الحزبي، فيما تحاول «القوات» ان تحافظ على انجاز انتخابات ٢٠١٨ في المقعد المتني، معوّلة على معركة ملحم الرياشي على المقعد الكاثوليكي، بالمقابل رشح الحزب «القومي» النائب السابق انطوان الخليل على» لائحة معا أقوى» التي تضم تحالف «الطاشناق» والمر. مع العلم ان لـ «القومي» حضورا وتاريخا في المتن، لكن مرشحه في انتخابات ٢٠١٨ لم يستطع الوصول الى الندوة النيابية في التحالف الذي كان قائما مع «التيار الوطني الحر» .