Site icon IMLebanon

أذرع إيران في لبنان وسوريا بين فكّي كماشة إسرائيلية – تركية!

 

سقطت كل الحجج التي حاول البعض تقديمها في الأيام الأولى لأحداث الشمال السوري، للتهرّب من كونها مرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على لبنان. فالنفي التركي في الساعات الأولى لعدم علاقتها بالهجوم المباغت الذي استهدف مواقع للجيش السوري وأنصار الحرس الثوري الايراني في إدلب وحلب، لم يدم سوى لأيام قبل تبنّيها. وهو ما قاد الى نظرية عسكرية قالت انّ أذرع ايران في المنطقة باتوا بين فكّي كماشة اسرائيلية وتركية. وهذه هي الدلائل.

 

 

 

بعد ساعات على دخول اتفاق وقف إطلاق النار وتجميد العمليات العسكرية مدار التنفيذ في لبنان عند الرابعة فجر الأربعاء في 27 تشرين الثاني الماضي، تناقلت الأخبار السريعة الواردة من محافظتي إدلب وحلب السوريتين عن عملية عسكرية كاسحة شنّتها وحدات من المعارضة السورية، التي حملت أسماء عدة، في اتجاه المدن والقرى الواقعة تحت سيطرة النظام السوري وحلفائه، من المجموعات التي نشرها الحرس الثوري الايراني في ريفي المحافظتين، من دون الإعلان عن اهداف العملية في شكل واضح وصريح لفقدان اي معلومات تتحدث عن اي عمل استدرج هذه المجموعات للقيام بهجومها، إن اعتبر رداً على عملية مشابهة.

 

 

راج في بداية الأمر انّ ما حصل قد عكس انطباعاً اولياً بأنّها محصورة بين مجموعات مسلحة استجرّها خلاف على تقاسم النفوذ في منطقة متنازع عليها، قبل ان يتبين انّ الهجوم مدبّر وهو أكبر من ذلك. ولم يتوقف عند حدود السيطرة على مدينتي سراقب ومعرة النعمان ومعهما عشرات القرى وصولاً إلى تخوم مدينة حلب ومداخلها قبل التغلغل في أحيائها الداخلية من دون اي مقاومة تُذكر، على وقع تقارير عدة تحدثت عن سحب الجيش السوري دباباته واسلحته الثقيلة، كما اخلت المجموعات الأخرى الموالية لإيران مراكزها في المنطقة في اقل من يومين فصلاً بين اقتراب المسلحين من مداخل المدينة، حيث بوشرت عملية إزالة صور الرئيس السوري ومحو شعارات المنظمات الاخرى، حيثما وُجدت في ساحاتها.

 

ولما أعلن على هامش بعض الروايات التي يمكن التشكيك في صدقيتها لصدورها والتداول بها من جانب اعلام المسلحين ومواقعهم الاعلامية والوسائط الالكترونية، فقد انشغل المتابعون بتتبع اخبار موجة النزوح لعائلات مسؤولي النظام والمجموعات المستهدفة في حلب ومحيطها التي أجبرت، بالاضافة الى تلك التي تلت الغارات الاسرائيلية على تدمر قبل ايام قليلة، والتي استهدفت مواقع لـ»حزب الله» والمجموعات المسلحة، أكثر من 70 ألفاً على إخلاء المنطقتين في اتجاه المناطق الجنوبية ومدن وقرى الساحل الغربي، قبل قطع الطريق بين حلب ودمشق. وكشف اول إحصاء عن حجم الضحايا والقتلى بعد 4 ايام على بدئها بما يفيض على 570 قتيلاً من بين جنود الجيش السوري والجماعات المسلحة من طرفي النزاع.

 

 

 

ولما كشف انّ من بين القتلى احد المستشارين الايرانيين الكبار ومساعدين ورفاقاً له قبيل اقتحام مقر قنصليتهم في حلب، لم يعد الهدف من العملية خافياً على احد، وتكشفت اوراق كثيرة عبّر عنها وصول قادة إيرانيين كباراً، ومن بينهم وزيرا الخارجية والدفاع، إلى دمشق لمتابعة ما يجري من قرب ووضع إمكاناتهم في تصرّف النظام. كما لم تخف وزارة الدفاع السورية ولا مسؤولو النظام ووسائل إعلامه حقيقة ما حصل وما تكبّدوه من خسائر، فأكّدت في الوقت عينه عن خطط للمواجهة وإعداد القوات الكافية لاستعادة ما فقدته من مساحات واسعة، في انتظار ما ستوفره المجموعات الموالية التي انتقلت من العراق ومناطق مختلفة من «سوريا المفيدة» لتقديم العون والمساندة. وكل ذلك كان يجري فيما تحولت انقرة محجاً للاتصالات الديبلوماسية على مستوى المسؤولين الروس والإيرانيين وبعض دول الخليج، التي شدّدت على حماية النظام وتمنت على أنقرة لجم ما يقوم به أصدقاؤها من المجموعات المسلحة الذين بدأوا باستخدام طائرات الدرون التركية «بيرقدار» وزميلاتها في الهجمات على المواقع المستهدفة.

 

 

هذا على المستوى العسكري والامني، اما على المستوى السياسي فقد بدأت تتوضح الصورة لتقول بنحو لا يرقى اليه اي شك، انّ العملية تستهدف استئصال الوحدات الموالية لايران من قلب سوريا، وهو امر لم يخفه المسؤولون الايرانيون. وفي الوقت الذي تقدّمت العمليات العسكرية الى تخوم مدينة حماه بـ 7 كيلومترات – قبل إبعادها أمس عن مداخلها 10 كيلومترات وعودة المعارك الى ريف حلب – تعاظمت المخاوف من حجمها ونتائجها. وعندها أُطلقت النداءات الى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لوقف العملية وتحييد الاسلحة المتطورة والطائرات المسيّرة ومثيلاتها تزامناً مع تدخّل جوي روسي خجول لم يغيّر في سير المعارك الجارية إن قيست بعملية إنقاذ النظام التي نفّذها مطلع تشرين الاول العام 2016، فقلبت التطورات رأساً على عقب وأبعدت المسلحين الغزاة عن جبال الساحل السوري ومدنه.

 

وفي غمرة الأحداث المتلاحقة وما حظيت به من ضجيج اقليمي ودولي، جاء التوصيف الايراني لما يجري على لسان رئيس أركان الجيوش الإيرانية، رابطاً بين تحرك هذه الجماعات وتاريخ وقف إطلاق النار في لبنان، معتبراً انّ ما جرى «دليل على مؤامرة أميركية – اسرائيلية». ولما تجاهل الدور التركي موجّهاً الدعوة الى «دول جوار سوريا لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تقدّم الإرهابيين»، جاء موقف مستشار المرشد الإيراني لتصويب موقف بلاده، فاتهم أنقرة للمرّة الأولى بتورطها في العملية قائلاً بالمواربة «لم نتوقع أن تقع تركيا في الفخ الذي حفرته لها الولايات المتحدة وإسرائيل».

 

على هذه الخلفيات تسارعت المبادرات والاتصالات لخفض التوتر وتجنيب الساحة السورية مزيداً من المآسي. وأعربت معظم الدول العربية عن تضامنها مع الرئيس الاسد من دون تقديم اي حل بديل. فاستمرت العملية العسكرية التي تحولت شيئاً فشيئاً كأنّها تركية مباشرة، تحمل رسائل انتقام من الأسد وداعميه، بمن فيهم الإيرانيون، مغلّفة بمجموعات موالية لها وكأنّها نتيجة تفاهم كبير لتعزيز الخناق على الدور الايراني في سوريا بعد لبنان. وانّ الضربة القاسية التي تلقتها في لبنان ستتكرّر في سوريا من دون القدرة على مواجهتها أو لجمها، وسط مخاوف من غضّ نظر روسي يعبّر عن ازمة بينية بين موسكو وطهران اقتربت من ان تطفو على السطح، وزادت منها قسوة العقوبات الاميركية التي طاولت مواقع وكيانات إيرانية، من الواجب ان تشغل بال طهران من استهدافها بكل الوسائل العسكرية والديبلوماسية والمالية والاقتصادية.

 

 

وعليه، لم يكن هناك بدّ أمام مجموعة من الديبلوماسيين الذين طُلب إليهم قراءة المشهد السوري، فرأوا فيه مرحلة متطورة ومتقدمة لما جرى في لبنان ومكمّلاً لخطط لم يكن يدركها احد بمن فيهم من اطلق نظرية «وحدة الساحات» ولا من اعلن «حرب الإسناد» واعتبروا انّ ما جرى في لبنان كان مقدّمة لاستهداف إيران واذرعها في المنطقة الذين باتوا بين فكّي كماشة اسرائيلية في لبنان وتركية في الشمال السوري، من دون تجاهل ما يقوم به الطيران الاسرائيلي من استهدافات في الداخل السوري، اعتبرت خارج مفهوم اتفاق وقف النار في لبنان.