في سبعينات القرن العشرين الماضي اتصل بي مكتب مدير المخابرات السورية، آنذاك، عدنان دبّاغ وأبلغني أنه يريد أن يراني لأمر مهم جداً، على الأثر لبيت الدعوة وتوجهت الى دمشق وقابلت دبّاغ الذي قال لي، سأزوّدك بخبر مهم جداً يمكن ان توزّعه على ما تشاء من الصحف في لبنان وخارجه وعلى وكالات الأنباء أيضاً.
وبدت عليّ الرغبة في استعجال الحصول على هذا «الخبر» الذي سيكون مهماً جداً كما قال لي المسؤول السوري الكبير والذي أراد أن ينطلق من بيروت وليس من العاصمة السورية.
وأفصح عدنان دبّاغ عن الخبر – «القنبلة»: قرّرت سوريا إقفال مجالها الجوي أمام الطيران العراقي كافة، وأنّ هذا القرار سيوضع موضع التنفيذ في القريب العاجل.
عدت من دمشق الى بيروت مباشرة وفي جعبتي الخبر المهم، وعمّمته على الصحف اللبنانية كلّها التي تلقفته وأولته الاهتمام الكبير الذي يستحق، وراحت «الشرق» والزميلات تغوص في ارتدادات الخبر وتداعيات إقفال المجال الجوي السوري إقتصادياً وسياحياً خصوصاً على لبنان الخ…
وفعلاً صدرت الصحف اللبنانية في اليوم التالي وقد طغى الخبر على ما عداه فيها واحتل «مانشيت» الأعمدة الثمانية في صدر الصفحات الأولى، مع الافتتاحيات والتحاليل والتعليقات في البعض منها.
وتناقلت وكالات الأنباء المحلية والعالمية الخبر وأغرقته في التقارير الصحافية… كما بُث عبر شاشات التلفزيون وأثير الإذاعات الكبرى في العالم كلّه.
وما إن بلغت الساعة الثانية عشرة ظهراً حتى صدر نفي رسمي سوري قاطع مفاده أنّ الخبر لا أساس له من الصحّة… الى آخر المعزوفة.
تلك الرواية عن خبر إقفال المجال الجوي السوري أمام جميع الطائرات العراقية والمصدر الرفيع الذي زوّدني به، استعادتها الذاكرة وأنا أستمع، أمس، الى أمين عام «حزب الله» سماحة السيّد حسن نصرالله وهو ينفي نفياً قاطعاً الخبر الذي نشر في «الرأي» الكويتية حول سيناريو الحرب الاسرائيلية التي نُسبت إليه نقلاً عن لسانه.
لقد علّمتنا تجارب مهنتنا الصحافية والإعلامية عموماً أنّ كثيراً من الأخبار يطلقها أصحابها ثم يعودون الى نفيها ليس من باب المصادفة إنما عن سابق قصد وتصميم، إذ يكون الهدف من تعميم خبرٍ ما هو استقراء ردود الفعل عليه إنْ لدى الناس أو لدى قوى محلية وإقليمية (قياساً الى أهمية الخبر) فيكون ذلك الخبر بمثابة «بالون اختبار»… وبذلك يكون تعميمه قد حقق الغاية المرجوّة منه، وعليه يكون خبر سيناريو الحرب قد كشف موقف الشارع إذا وقعت الواقعة.
وأود أن أغتنم هذه المناسبة لأشير الى أنّ الصحافة هي التي تقع ضحيّة هذه الألاعيب السياسية… فعندما يتلقى الصحافي الخبر من مصادره واجبه أن يعمّمه، حتى ولو كانت النيّة من تعميمه لها هدف آخر.