نتفق مع وزير الخارجية في أمور ونختلف معه في أمور، ولكن كلمة حق تُقال إنّ إداءه في موضوع القدس غطّى على كثير من الوزراء الذين سبقوه، وهذا ليس انتقاصاً من أي منهم، وهم موضوع إحترامنا، ولكن هذه نقطة تسجل له.
ويمكن أن نزيد على ما تقدّم فكرة فتح سفارة لبنان لدى الدولة الفلسطينية في القدس، ولا يمكن إلاّ أنْ نعترف له بأنها فكرة جريئة ومتقدمة…
واليوم تقوم ضجة طويلة عريضة على كلامه حول الخلاف مع إسرائيل هل هو استراتيجي أو ليس استراتيجياً؟
تذكرنا هذه الحملة ببداية اغتصاب الصهاينة فلسطين… وبقينا لسنوات طويلة يحظر علينا الإستماع الى إذاعة العدو الاسرائيلي بدعوى “المقاطعة”.
لاحقاً تطوّرت الأمور الى مدًى أبعد، وراح الاسرائيلي يتعلق بعبارة الشقيري “سنرمي اليهود في البحر”… وشنّ حملة إعلامية ضخمة مهّد فيها لحرب 1967 فانقضت إسرائيل على ما كان قد تبقّى من فلسطين الضفة الغربية، إضافة الى احتلال القدس والجولان وسيناء…
ولن يفوتنا أن نذكر أنه ذات يوم أعلن الحبيب بورقيبة في أواخر ستينات القرن الماضي أنه آن الأوان ليأخذ العرب بقرار الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين الى دولتين عربية وإسرائيلية… ورفع شعار “خذ وطالب” أي أنه يمكن للعرب القبول بنصف فلسطين من دون أن يتخلّوا عن النصف الثاني، ولكن يطالبون به عندما يتمكنون… وقامت القيامة عليه ولم تهدأ، وعمّت التظاهرات بيروت وجرى تدمير محال ومتاجر ومؤسّسات معيّنة… وكأنّ الرئيس التونسي بورقيبة ينتمي الى مار مارون!
وفي العام 1970 ظهرت “مبادرة روجرز” الى الوجود للسلام بين العرب وإسرائيل… وافق عبدالناصر على المبادرة… فقامت القيامة أيضاً ولم تقعد كذلك، وصار بإمكان كل متطفّل على السياسة والنضال أن يتهجّم على الزعيم الكبير… وأخذت التظاهرات تضج وتضيق بها شوارع بيروت فـ”جماعة الرفض” وصل بهم الأمر الى حد تخوين عبدالناصر!
وماذا كانت النتيجة من ذاك الرفض المتمادي؟ الجواب يعرفه الجميع: التراجع… والخسائر وتراكم التراجع والخسائر!
علماً أنّ ما قاله وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل هو من صلب “المبادرة العربية للسلام” التي تقدّم بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في “قمة بيروت العربية”، والتي أُقرّت بإجماع البلدان العربية قاطبة من دون أي تردّد أو تحفّظ… وأمّا هؤلاء الذين يصطادون في الماء العكر فنقول لهم إنّنا لسنا ننطلق في ما أوردنا أعلاه من محبة للوزير باسيل أو من موقف عدائي من سواه، إنما إقتناعاً منا بأنّ كلمة الحق يجب أن تُقال.
كلمة أخيرة: إنّ تحرير القدس واسترجاع فلسطين لا يكونان بالشعارات الجوفاء… يكفينا شعارات استمرت 70 سنة: الكلام ذاته، ولكن القضية تخسر أكثر فأكثر فهل المطلوب الإستمرار في الشعارات للقضاء كلياً على آخر ذرة تراب من فلسطين؟!.
ولأحد الوزراء السابقين الذي طالب باستقالة وزير الخارجية نقول: ليته نجح في حل أزمة النفايات التي كانت من اختصاصه وتهرّب من مواجهتها… فهذه الإدعاءات الجديدة لن تفيده بشيء شعبياً لأنّ الناس لم ينسوا فشله في وزارته.