IMLebanon

لا بالروح ولا بالدم!

جمانة حداد شاعرة وكاتبة لبنانية حازت جوائز عربية وعالمية عدّة، فضلاً عن كونها صحافية ومترجمة وأستاذة جامعية. تشغل منصب المسؤولة عن الصفحة الثقافية في جريدة “النهار”، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة. اختارتها مجلة “آرابيان بيزنيس” للسنتين الأخيرتين على التوالي واحدةً من المئة امرأة عربية الأكثر نفوذا في العالم، بسبب نشاطها الثقافي والاجتماعي.

19 تشرين الأول 2015

غالباً ما أطرح على نفسي السؤال الآتي: مَن من سياسيي العالم، زعمائه، قادته، رؤساء قبائله، أو مَن من القابضين على مصيره، كي لا أقول عنقه، يستحق فعلا الحد الأدنى من الحب والاحترام؟

أخشى أن أقول: لا أحد. لكن منعاً للتعميم، سأضيف: لا أحد تقريباً.

وإذا كان زعماء العالم، كلهم تقريباً، لا يستحقون الحد الأدنى من الاحترام، فكم بالأحرى هؤلاء الذين يقبضون على عنق العالم العربي، ويخمدون أنفاس الضوء التي فيه!

أسوأ ما يمكن أن يواجَه به الإنسان هو الازدراء والاحتقار وعدم الاحترام. وأعتقد أن هذا الشعور يمكن (أو ينبغي له) أن يشكل مرآة شفّافة، صادقة، وصريحة، لمواقف الكثير من الناس في العالم العربي حيال حكّامهم. طبعاً إذا استثنينا أولئك “المعمية قلوبهم وعقولهم” (ولدينا منهم الكثير للأسف في لبنان) الذين يهتفون أو يفكّرون “بالروح بالدم” ببغائياً أو نكايةً أو غرائزياً، من دون أن يستخدموا فكرهم النقدي أو حقهم في المحاسبة حيال زعمائهم. أليس هذا ما أودى بنا الى الجحيم التي نتخبط فيها اليوم، هنا وهناك في سائر أنحاء العالم العربي؟ أليست علتنا ومصيبتنا في آن هذه الإستقالة من عقولنا وكراماتنا، لحساب من لا يستحقون، وهي استقالة كانت في البدء قسرية ومفروضة فرضاً (بحكم الحاجة المادية أو الخوف أو التلاعب بالغريزة الطائفية)، لكنها أصبحت جيلاً وراء جيل شبه فطرية أو طوعية، وتُتوارث في شكل أوتوماتيكي؟

ولكن لنعد الى الفكرة الأولى: الى عدم الحبّ وعدم الاحترام لدى من ليسوا خرفاناً، هناك الحقد، الرعب، الرغبة في الانتقام، الثأر، الى آخر معزوفة المشاعر السلبية التي إن دلّت على شيء فعلى أن الحكّام لا يمثّلون شعوبهم.

في أي حال، ليس واقعنا العربي واللبناني الأليم، على أهميته القصوى، ما أهدف إلى أن ألفت اليه هنا، بل الى الصفات التي ينبغي أن يتمتع بها كل قائد وزعيم، وهي الآتية: النزاهة، نظافة الكفّ، الضمير، الترفع، الصفح، الغفران، التعالي عن الجروح والصغائر، الكبرياء، الحكمة، العدل، الشرف، الصبر، الرؤيوية، الكرامة، الحرية، التواضع، ولستُ أدري ماذا أيضاً، مما يصعب، بل يستحيل، أن تجتمع في شخص، فكيف إذا كان زعيماً أو حاكماً، بل كيف إذا كان زعيماً أو حاكماً في العالم العربي؟

ترى متى يتعلّم زعماؤنا دروس ذاكرتهم وذاكرتنا؟

والأهم: متى يتوقف الأزلام عن ترداد لازمة مهينة مثل “بالروح بالدم”؟ متى يصبحون مواطنين لا مجرد أتباع، ويكفّون عن استرخاص أرواحهم ودمائهم؟