ما شهده العشاء الذي جمع القيادات اللبنانية بوزير الخارجية المصري سامح شكري أعطى انطباعاً بأنّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، كان الوحيد المتحمّس لانتخاب العماد ميشال عون، ربما أكثر من عون نفسه.
طوال الجلسة كان جعجع محامي الدفاع عن انتخاب «الرئيس عون»، مع حلفائه اوّلاً كالرئيس فؤاد السنيورة، ومع وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي استمع بوضوح الى موقف جعجع الداعم وصول عون.
عون تكلّم في العشاء الطويل لثلاث دقائق، وترك المهمة لجعجع، مقارِعاً السنيورة والوزير علي حسن خليل. الأول عبّر عن رفضه التام انتخاب عون، أما الثاني فقد عبّر عن الرفض بنحو غير مباشر بحديثه عن ضرورة انتخاب رئيس يوافق عليه الجميع.
استعمل جعجع تاريخه الطويل والمرير في حديثه عن عون، ولكن من باب الدفاع عنه، وعلى مسمع منه. قال للجميع: «مهما عرفتم عون فلن تعرفوه أكثر مني، خبرتي معه عمرها 30 عاماً، وأؤكّد (متوجّهاً للسنيورة) أنّ عون هو عون، وأنه ليس حزب الله».
على الطاولة استفاض السنيورة في الكلام عن أنّ وصول عون سيكون لمصلحة حزب الله. أما عون الصامت فقد ناب عنه «الرئيس الظل» للجمهورية جبران باسيل الذي تكلّم طويلاً، من دون أن يتوصّل مع السنيورة الى أيّ قواسم مشترَكة.
ما رشح من هذه الجلسة غيرها كثير دلّ على أنّ التسوية باتت في خبر كان.
وكان سبق لتيار «المستقبل» أن استفتى نوابه في الجلسة الشهيرة لكتلة «المستقبل»، حول الخيارات الثلاث: التسوية، الاستمرار في الوضع الحالي أو المواجهة. ونال عون في الاستفتاء علامة تقارب الصفر، بعدما تبيّن أنّ الجميع يرفضون خيار عون لأنه يعني «الانتحار». حتى إنّ نواباً، مثل بدر ونوس، الذين على سبيل المثال لا الحصر، لم يعبّروا يوماً عن موقف حاد، أخذوا الكلام لفترة طويلة رافضين خيار الانتحار.
بعد تلك الجلسة لن يتبقى لمَن سار بهذا الخيار كوزير الداخلية نهاد المشنوق، إلّا ممارسة سياسة «دفاع هجومي» عبّر عنها بموقف واضح من ملف «سرايا المقاومة»، هذا مع العلم أنّ ما قاله عن أنّ تيار «المستقبل» هو «تيار القرار لا الانتظار»، فُسِّر على أنه استمرار وجود نيّة في اتخاذ قرار بالقبول بعون، ولكن بشروط.
التسوية التي أصبحت في خبر كان، نسفها سلوك «حزب الله» تجاه تيار «المستقبل»، كذلك نسفتها مواقف الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله التي صعّبت على الرئيس سعد الحريري، السير في «تسوية معلّبة» تعطي انطباعاً بأنّ الحريري تلقفها لمجرد رغبته بالعودة الى السراي الحكومي، وهو امر بات يرفضه الرأي العام السنّي، خصوصاً بعد خيبات ما بعد العام 2009، التي أُجهضت فيها نتائج الانتخابات النيابية، وفُرض على الحريري انتظار أشهر لتشكيل حكومته، لتعود الحكومة وتقال بـ«الثلث المعطل».
سقطت التسوية قبل أن تولد، فعون الذي فاوض الحريري عبر قناة باسيل ـ نادر الحريري، أمل في أن يصل الى اتفاق يكون أشبه بورقة تفاهم مع «المستقبل» (تضاف الى ورقتي التفاهم مع «القوات» و«حزب الله»). اما في «المستقبل» فلم يكن احد جاهزاً لهذه التسوية غير المتكافئة، التي تعني أن يُسلّم الحريري كلّ ما يملك من صلاحيات كرئيس للحكومة، مقابل استعادة السراي.
سقطت التسوية في الداخل، وتبيّن أنّ وزير الخارجية المصري الذي طرح شكلاً اسم عون خلال لقائه مع جعجع، لم يجد أيّ ليونة في اجواء «المستقبل» تجاه عون، حتى إنّ لقاءه مع احد أقطاب «المستقبل» خلا تماماً من البحث في القضايا الداخلية، وانحصر في الشأن الإقليمي.
ولاحقاً أبدى المصريون استياءً من أنّ هذا القطب ذهب بهم قصداً الى الكلام الاقليمي لكي لا يتيح لهم فرصة لطرح إسم عون. كان ذلك مؤشراً على أنّ ما حُكي عن تسوية وقبول «المستقبل» بعون تنطبق عليه العبارة المشهورة للرئيس الشهيد رفيق الحريري: «هيدا الكلام مش دقيق».