كلما كبرت قائمة الشرف لشهداء الجيش في المواجهة المفتوحة والمتنقلة مع الارهاب ترتسم وقائع وقوف لبنان على خط القتال الدفاعي لمنعه من الانهيار في الفوضى الشاملة. وهذه التجربة ليست كسابقاتها ولو تشابهت معها بعامل واحد فقط هو انه يراد تصوير المواجهة بين جيش يخوض معارك الاستنزاف ولبنانيين من “أهل السنة”. هكذا حصل في الموقعة الاولى التي نصب شباكها النظام السوري في جرود الضنية ليلة رأس سنة ٢٠٠٠، ومن ثم في موقعة نهر البارد، وبعدهما في عبرا والآن في طرابلس وبعض الجوار. حين كان النظام السوري متحكماً بلبنان لعب ألعوبته المفضلة، وبعد اشتعال سوريا بحربها الأهلية انبرى أعداؤه الى اللعبة نفسها عندنا. ولكن ما يجري في طرابلس والجوار في الأيام الاخيرة يضع طرابلس ولبنان امام معادلة عاجلة هي اما الحسم العسكري مهما كلف الامر واما الاهتراء الفوضوي.
لا يود ابن طرابلس قطعاً ان يصدق ان المسألة ليست مجرد مجموعات مسلحة انفلشت في ليل مدبّر لتشعل المدينة في وجه الجيش. حتى منطق المؤامرة، على صحته وحقيقته، يغدو أقل من حجم المعركة التي صعد فيها اسم طرابلس الى جانب سيناء ومذبحتها الاخيرة. ولعل ما يتعين على اللبنانيين رؤيته هو أن الاحتدام الاقليمي المتصاعد بدأ يأخذ منحى لا يقف عند قاعدة ضرب داعش بقوى سنية فقط بل بإثارة فتنة سنية – سنية مضافة الى الحرب السنية – الشيعية، وليس أفضل من الأدوات الصالحة والطيّعة لهذه المؤامرة بعد داعش وشقيقاتها من أمثال “الخلايا” التي تحاول استنزاف الجيش اللبناني.
تبعاً لذلك تتعاظم أهمية موقف السنية السياسية المعتدلة في لبنان اكثر من أي حقبة سابقة في تاريخ انزلاق لبنان الى التشابك مع الحرب السورية ومن ضمنه ايضاً التعامل مع تداعيات تورط “حزب الله” في هذه الحرب. لا مبالغة ان قلنا ان هذا الموقف للقيادات السنية التي وقفت من دون اي تحفظ مع الجيش هو خشبة الخلاص التي ينبغي الرهان عليها لإنقاذ طرابلس ولبنان مما يدبر له من مقتلة الفوضى العارمة. ثمة وقائع كثيرة باتت أعصى من ان تُعالج وتُستدرك وتُحتوى، ومع ذلك فان ثمة الكثير مما يمكن المسارعة اليه في وقت يخوض فيه الجيش معمودية غير مسبوقة منذ تاريخ إنشائه. من عايش منا تاريخ انفراط لبنان في بداية حرب ١٩٧٥ يدرك تماماً الاهمية الحاسمة لحضانة وطنية ساحقة للجيش الآن. وهي ليست حضانة طائفية او مذهبية ولو أملت طبيعة المعركة تلاوين للرد على طبيعة الاستهدافات. حماية طرابلس تكون ايضاً من الجبل وبيروت والجنوب والبقاع لئلا تلتحق جميعها بالجحيم.