IMLebanon

ليس بالضرورة أن تكون إرهاباً «أعمى»

منطق «حزب الله» يسير هكذا: لست حزباً ارهابياً ما دمت مقاومة. ولست مقاومة محصورة في بلد واحد بل جزء من مقاومة شاملة على صعيد كوكب الأرض. لكني في الوقت نفسه انتمي الى دين بعينه، والى مذهب محدد في هذا الدين، والى فقه سياسي محدد يعيد ترتيب المنظار المذهبي بحيث يمكن تقديمه كمنظار كوني في الوقت نفسه. 

لئن أريد بمعنى الارهاب مقولة «الارهاب الأعمى» يصير من الواضح أن التعليل الذي يقدمه خطاب الحزب أعقد من اختزاله فيها. يصير واضحاً أيضاً ما الذي يفعله الحزب كل مرة اتهم فيها بمزاولة الارهاب أو صنف على لوائحه. يفتش عن نموذج من الارهاب «الأعمى» أو الخفافيشي ويقول: أرأيتم ما الارهاب، هذا هو، أما أنا فحركة مقاومة راشدة. 

وبما أن الحزب استلف مفهوم المقاومة من تراث ايديولوجي كفاحي سابق عليه، هو اما تراث المقاومات في سني الحرب العالمية الثانية، أو في مرحلة التحرر الوطني من الاستعمار في العالم الثالث، فإن ما من أحد أخبره على ما يبدو بأن معظم هذا التراث لم يكن يتحرج من تهمة الارهاب بحد ذاتها، بل كان معنياً بالسيطرة على أدواته الارهابية، من دون أن يكون تراثاً مهموماً طول الوقت بنفي تهمة الارهاب عنه. الارهاب لم يكن أساساً مقولة ملتبسة الى هذه الدرجة: كانت تعني كل الحالات الهجومية المنافية لقوانين الحرب والمضادة للمنظومة القانونية بعامة، واستهداف من هم خارج جبهات القتال. حتى الكمين الذي كان ينصب لجنود الاحتلال الالماني من قبل المقاومين الفرنسيين كان يتم تعريفه من قبلهم كعمل ارهابي، دون حرج. الارهاب كان توصيفاً تقنياً بالدرجة الاولى، وان كانت له تداعياته القيمية طبعاً. «نحن لا ننكر الارهاب ولكن»، هذا ما كان يكتبه قبل ذلك لينين أيضاً. لكن الأمر تبدل مع «مدرسة حافظ الأسد». جعل الطاغية الأب نفسه كالفيلسوف ديوجين يحمل مشعلاً باحثاً هذه المرة عن تعريف اجماعي للإرهاب، يفصل بينه وبين مفهوم المقاومة. وعلى هذا المنوال سارت «المقاومة» التي يصف بها «حزب الله» نفسه. 

هل الاغتيال السياسي ارهاب؟ نعم أو لا؟ الحركات التي كانت تنظر لفائدة الاغتيال السياسي في التاريخ الاوروبي والروسي الحديث لم تنكر يوماً ان الاغتيال وسيلة ارهابية، وانها كأي وسيلة يمكن أن تنفع أو تضر من يستخدمها. أما بالنسبة الى الممانعين فهذا النمط من التفكير غير مقبول. عندهم أن الاغتيال يمكن ان يكون عملاً لا – ارهابياً، سواء جرى تبنيه او لا. 

السطو على المصارف كان بالنسبة الى النضال البلشفي في روسيا شكلاً من أشكال الارهاب يتبناه الحزب، وقد برع فيه ستالين الشاب. هذا في وقت كان للحزب البلشفي رغم حظره أعضاء في دوما الدولة. بالتأكيد خيضت النقاشات حول الوسائل، لكن أن تكون ارهابية هذه الوسائل نسبية، بحسب الغايات التنفيذية، فهذه لم يفكر بها أحد قبل الممانعين. 

التراث الثوري كما التراث المقاوماتي للقرن الماضي يقول بشكل عام: ان صفة مقاومة لا تلغي صفة ارهابي، او العكس. لكن «حزب الله» يعتبر ان المقاومة تعطيه مناعة من الارهاب، وفي الوقت نفسه هو لا يدحض مقولة الارهاب، بل يسعى لتبرير معظم ما يقوم به عسكرياً في السنوات الاخيرة، في سياق مكافحته هو للإرهاب. هذه مفارقة بالنسبة الى حركة تعتبر انها مقاومة: ان تجد ضالتها، وتعريفها عن نفسها، في مقولة «مكافحة الارهاب». 

النتيجة ستكون: مكافحة الارهاب بالإرهاب. حماية متهمين بالاغتيال السياسي. التخفّف من قوانين الحرب ومن القانون بعامة حيثما كان، تشكيل الشبكات والأذرع الامنية في بلدان مجاورة أو بعيدة. بدل البحث عن صك للمقاومة في صيغة حركة تحرر وطني، ستتحول اذاك «المقاومة المكافحة للإرهاب بالإرهاب» الى منظمة امنية موازية لسيادة الدول وعابرة للحدود: كل هذا سيجذّر معنى الارهاب ودرجته التطبيقية العالية هنا، وليس العكس. 

ليس بالضرورة أن تكون ارهاباً أعمى. يمكنك أن تكون ارهابياً منهجياً بل ورؤيوياً وهذا اخطر. ليس بالضرورة ان تكون حفنة من المجانين معزولين شعبياً كي تكون ارهابياً. يمكن ان تكون لديك قاعدة شعبية واسعة، وتتحصن فيها، وتزاول اعمالاً ارهابية في الوقت نفسه.