تكثر الأقاويل عن أنّ العلاقات اللبنانية- الكويتية قد تزعزعت أخيراً وتكاد تصل الى حافة الإنهيار، وذلك على خلفية المذكرة الكويتية التي جرى تسليمها الى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل من قبل سفير دولة الكويت في لبنان عبد العال القناعي في 21 تمّوز الفائت ولم تلقَ حكومة بلاده حتى الآن أي جواب على طلبها من قبل الحكومة اللبنانية.
وإذ يذهب البعض الى حدّ الحديث عن أنّ المصالح المشتركة بين البلدين قد تصبح مهدّدة قريباً رغم العلاقات المميزة التي تربط بين الدولتين والشعبين، تُخفّف أوساط ديبلوماسية من وطأة ما يحصل، مؤكّدة أنّه ليس من إهمال لهذه المذكرة، والدليل أنّه جرى البحث في شأنها خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، وتمّ التوافق على ضرورة معالجة مضمونها وجلاء الملابسات والمعطيات المتعلّقة بها، وذلك انطلاقاً من حرص الحكومة على مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين. وأشارت الى أنّ العلاقات الديبلوماسية والسياسية والأخوية التاريخية بين بلدين عربيين لا يُمكن أن تهدّدها مذكرة، أيّاً كان مضمونها، لم يمضِ أسابيع على تسليمها لوزارة الخارجية، وتستدعي معرفة شاملة بحيثياتها للتحرّك والمعالجة. كما أنّ الحكومة لم تعقد أي جلسة لها خلال هذه الفترة، إلاّ جلسة يوم الخميس المنصرم التي انعقدت إثر انتهاء معركة جرود عرسال والتي جرى خلالها مناقشة مضمون المذكرة.
وكانت دولة الكويت قد طالبت في المذكرة بأن تتحرّك الحكومة اللبنانية لوقف تدخّلات «حزب الله» في الشؤون الداخلية الكويتية كونها باتت متأكّدة من الدور الذي يلعبه في تكوين وتدريب ما تُسمّى بـ خلية «العبدلي» المتّهمة بالقيام بمحاولة إنقلابية بدعم وتشجيع من إيران. ولأنّ الحكومة اللبنانية لا يُمكنها الردّ سريعاً على مذكرة تتضمّن اتهاماً من هذا النوع، لفريق لبناني مشارك في الحياة السياسية وفي الحكومة، فقد طلبت الحصول على المعلومات الكافية والشاملة حول هذا الموضوع.
كذلك فإنّ مسألة اتهام «حزب الله» بتورّطه في خلية كهذه، قد تزامن مع بدء معركة تطهير جرود عرسال، لهذا بدا الأمر وكأنّه «إهمال» من قبل الحكومة اللبنانية، على ما لفتت الأوساط نفسها، لكنّ الواقع أنّه في المرحلة الراهنة التي تُسطّر فيها المقاومة انتصاراً جديداً للبنان بدحر عناصر التنظيمات الإرهابية من الجرود واستعادة الأرض من «جبهة النصرة»، فمن غير الممكن وضعها موضع اتهام. كما أنّ الحكومة لم تكن تعقد أي جلسة خلال فترة المعركة ليُصار خلالها الى طرح مسألة المذكرة الكويتية.
وتقول المعلومات بأنّ ما تضمّنته المذكرة من اتهام للحزب غير صحيح إذ لا علاقة له بهذه الخلية التخريبية، وعلى هذا الأساس فإنّ الحكومة ستتحرّك وتجري تحقيقاتها لكشف ملابسات الإتهام، وهي تأخذ في الإعتبار حرصها على الإبقاء على العلاقات اللبنانية- الكويتية متينة ومميّزة على ما كانت عليه منذ عشرات السنوات. فلبنان لا ينسى كلّ الدعم الذي قدّمته دولة الكويت له في أحلك الظروف، ووقوفها معه في استضافة مؤتمرات الدول المانحة للمساعدة في استضافة النازحين السوريين وغير ذلك، ولهذا فهو لن يُفرّط في هذه العلاقات، وسيردّ حتماً على المذكرة الكويتية الإحتجاجية فور استقصاء الحقيقة.
من ناحية أخرى، فإنّ الإتصالات جارية بين حكومتي البلدين لحلّ المسألة، ولهذا فلا خوف من أن تتخذ دولة الكويت أي «تدابير مشدّدة» يتوقّعها البعض بحقّ لبنان تُشبه تلك الإجراءات الخليجية المتخذة ضدّ قطر. كذلك فإنّ الجالية اللبنانية هناك لن تتمّ «معاقبتها»، على غرار ما فعلت الإمارات سابقاً مع بعض العائلات اللبنانية الشيعية المقيمة على أراضيها إذ طالبت بترحيلها من بلدها.
واستبعدت الاوساط أن تُشكّل هذه المسألة شرخاً بين القوى السياسية داخل الحكومة، وإن علت بعض الأصوات اللبنانية الداخلية المستنكرة لـ «تورّط» الحزب في خلية «العبدلي» من دون معرفة المعطيات كافة. علماً بأنّ دولة الكويت أفادت بأنّه نتيجة المحاكمات التي استمرّت ثلاث سنوات تبيّن لها أنّ مجموعة تنتمي لـ «حزب الله» شاركت في إعداد وتدريب وتمويل الخلية المذكورة، وتمّ اكتشاف أسلحة وذخائر وبزّات عسكرية. غير أنّ وزراء الحزب في الحكومة قالوا بأنّ هذه الإتهامات غير صحيحة.
وطمأنت الأوساط الى أنّه مهما يكن من أمر، وإن جرى إثبات ضلوع مجموعة لبنانية أو شيعية في هذه الخلية، فإنّ الكويت لن تدين كلّ لبنان، حكومة وشعباً، لأنّه ليس قراراً رسمياً اتخذته الحكومة اللبنانية بضرب استقرار الكويت، لا سمح الله، بل قد يكون عملاً فردياً. وقد يكون هدف هذه المجموعة المتورّطة توتير العلاقة بين لبنان والكويت، ولاحقاً بينه وبين سائر الدول العربية كونه وقف على الحياد خلال الإجراءات القاسية التي اتخذتها دول الخليج بحقّ دولة قطر.
وذكّرت الاوساط بأنّه على الدول العربية كافة، أخذ بالإعتبار خصوصية لبنان كونه بلد التعددية والتنوّع والعيش المشترك، وكون «حزب الله» هو شريك في الحياة السياسية والعسكرية، ولا يُمكن بالتالي اتهام الحزب ككلّ من أجل مجموعة قد تدّعي أنّها تنتمي اليه. كما أنّه لا يُمكن للحكومة بأن تُقصي الحزب كونه يُدافع الى جانب الجيش اللبناني عن سيادة لبنان ويعمل على طرد التنظيمات الإرهابية الى خارج الحدود.
أمّا العلاقات اللبنانية- الكويتية المميّزة فلن يتمّ التفريط بها من قبل البلدين، كما أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح يملكان الوعي الكافي للحفاظ عليها لما فيه مصلحة وخير البلدين. والكلّ يعلم مدى أهمية المشاريع التنموية والإقتصادية التي للكويت الفضل الأكبر فيها، فضلاً عن أهمية السيّاح الكويتيين بالنسبة للبنان الذين يزورونه في فصل الصيف ويملك غالبيتهم منازل خاصة في بلدات عدّة فيه مثل عاليه وبحمدون وبرمانا وبلّونة وسواها.
من هنا، فإنّ الحكومة ستتحرّك بشكل جدّي وسريع للردّ على الحكومة الكويتية تضيف الاوساط، فيما طالبت به فور حصولها على المعطيات الكافية، مع الأخذ بالإعتبار لخصوصية لبنان التي تميّزه عن سائر دول المنطقة، لا سيما عن الدول العربية.
وفي مطلق الأحوال، شدّدت الاوساط، على أنّ لبنان ليس بوارد أن يُفسد علاقته مع أي دولة عربية، لأي سبب كان، بل هو حريص على تمتين هذه العلاقات خصوصاً في هذه الفترة التي يقوم فيها جيش بلاده بالتعاون مع المقاومة، بتطهير الحدود اللبنانية من التنظيمات الإرهابية كافة من «جبهة النصرة»، الى «داعش» و«سرايا أهل الشام». وعلى الدول العربية أيضاً أن تجد في ذلك انتصاراً لدول المنطقة على الإرهاب الذي كان يودّ إقامة الدولة الإسلامية التي تكفّر كلّ ما لا يلتزم بقواعدها الخاصة.