IMLebanon

لا علاقة للسجال بين باسيل وفرنجية بتعليق الحوار

خرج الوزير سليمان فرنجيّة من طاولة الحوار معتبراً ان كلام وزير الخارجيّة جبران باسيل قد استهدفه مع إقراره بأنّ الخلاف معه ليس في الطرح أي في جوهر الأطروحة التي علا صراخ باسيل بها بل في الأسلوب والطريقة والآداء، وقد أردف كلامه قائلاً: لا أحد يستطيع إلغاءنا على الإطلاق. لماذا وصل فرنجيّة إلى هذا الاستنتاج فيما هو يعلم علم اليقين وبحسب مصادر مسيحية بأنّ القضيّة باتت أكبر من رئاسة بل هي بحجم وطن أبطلت عنه صفة المواطنة مع انتفاء منطق الميثاقيّة وبات حاويًا لخصوصيّات متهالكة ومتضاربة ومتخاصمة حتى التمزّق. واعتبرت المصادر عينها أنّ النائب فرنجية حاول التموضع في سياق محدّد بافتعال مشكلة واضحة مع مع الوزير باسيل وبعد زمن كثر فيه النقد الموجّه إلى سلوكياته وظهرت علامات تدحرج لدوره نتيجة اخطاء متراكمة كان له أن يسأل رئيس المجلس النيابيّ عنها وبخاصّة تجاه حزب الله، والإجابات كانت واضحة من ضمن قراءة عقلانيّة انسكبت في هذا الموقع بصورة جليّة.

ليس السجال بين سليمان فرنجية وجبران باسيل هو من جعل برّي يعلّق طاولة الحوار، تقول المصادر، وفي الوقت عينه لا يعني التعليق نهاية درماتيكيّة له، وهو في أصله قائم على معطوبيّة فجّة للغاية. بل المشهد برمّته المليء بألغام متراكمة ومتحركة متدحرج نحو مكان قصيّ عن الحياة يأخذ البلد بحدّ ذاته إلى حالة احتراب بدأت بالسياسة ولا يعرف إلى أين ستنتهي. فهو أي المشهد متأتّ من اضطراب غير محصور بلبنان، والبلد بحقيقته غير منفصل عن طبيعة الصراع في المنطقة وبخاصّة عن التنازع في الجوهر بين الأميركيين والروس، المشوب بمجموعة تبدلاّت ارتقت من التكتيك إلى الاستراتيجيا. فكلام الرئيس نبيه برّي لم يعد توصيفيّاً بقوله: «ما سمعته هو الأخطر منذ الحرب الاهلية وهو ينذر بحرب أهلية جديدة»، بل تقريريّ هو من واقع المنطقة وواقع التاريخ اللبنانيّ بحروبه وتسوياته، أي بتجاربه العديدة والمتنوعة.

لكنّ تساءلت المصادر على ضوء هذا الكلام المقول: ما سرّ صمت الرئيس سعد الحريري إلى الآن، وهو لا يزال على تواصل مع التيار الوطنيّ الحر بواسطة مستشاره نادر الحريري؟ وفي الوقت عينه لماذا حين يتفوّه المسيحيون عن الميثاقيّة يأتي الكلام في المقابل عن حرب أهليّة جديدة، ليظهر للملأ وكأنّ المسيحيين هم المعطلون وهم من يجرّون البلاد إلى حرب أهليّة. في هذا الإطار تقول المصادر: «لماذا لم ينتبه معظم من كانوا مشاركين حول طاولة الحوار الى أنّ الأطروحة الميثاقيّة التي قدّمها جبران باسيل وكرّرها في حديثه بعد اجتماع التكتّل والتغيير وأظهر عطب الواقع، هي أساس التكامل والكمال، وفقدانها يعني ما تمّ زعمه بانّ المساحة اللبنانيّة حاوية ليس لخصوصيات متهاكلة بل لنفيّات متفجرّة وهنا مكمن الخطورة. النفيّات المتفجّرة دائمًا تظهر في الأزمات الكيانيّة وتخمد في لحظات الهدوء والرضى، أي في لحظات التسويات. معظم من تلاقوا حول طاولة الحوار مدركون بأن القرار التسووي الداخليّ ليس في ايديهم بل هم يتحركون ضمن الوقت الضائع الفاصل بين حقبة وأخرى».

وفي إضاءة إضافيّة، اعتبرت هذها المصادر بأنّ التدحرج نحو الحرب يحتاج لتعليل واضح، والتعليل مصدره خارجيّ أكثر مما هو داخليّ، فالداخل بحدّ ذاته مطواع للخارج. فحين قرّر الخارج ضبط الإيقاع الأمنيّ والاقتصاديّ على المستوى اللبنانيّ نفّذت حكومة الرئيس تمّام سلام ذلك الطلب في طرابلس، وجاء التنفيذ مضبوطاً بمجموعة مسلّمات لم تحرّر المدينة من الطابع المهيمن عليها بالمطلق، فبدت طرابلس وعلى الرغم من التنفيذ تعيش خارج إطار لبنان الحقيقيّ والميثاقيّ، لم يشمل التنفيذ جرود عرسال وضواحيها وكأنّ هذا الأمر متروك للقدر، في حين أن ثمّة مصلحة بالأبعاد الاستراتيجيّة تتطلّب الإيغال في التطهير والتحرير. وهذا عيناً ينساب بدوره على مخيّم عين الحلوة كما على بقيّة المخيمات، في وقت يزداد عدد النازحين السوريين ويتراكم عدد الفلسطينيين، وقد طلب أمين عام الأمم المتحدة الأميركيّ الهوى بان كي مون من لبنان قبول هؤلاء وتجنيسهم وتوطينهم، فضلاً عن الفساد المزدحم إلى جانب النفايات المزكّمة للأنوف والهالكة لكرامات اللبنانيين جميعاً. كلّ تلك العوامل باسبابها الموجبة تشي بأنّ لبنان المتنعّم باستقرار هشّ ومعطوب، ساهم بتدفّق المغتربين في الخارج إليه، قد بدا يتآكل رويدًا رويدًا بقرار قد يضع لبنان في أتون جديد من الاحتراب المقيت».

وفي معلومات دقيقة بدأت ترد إلى عدد من المصادر والمراجع، إن لبنان بات أسير لجج من المتاعب والمهالك والمظالم، وتذكّر تلك المصادر بانّ هذا الوضع شبيه بالمقدّمات السابقة لحرب 1975، وقد بنيت معطياتها الداخليّة على الحيثيات والأسباب الكيانيّة والميثاقيّة، في اللحظة التي سادت رست المنطقة على أنظمة جديدة وقررت الولايات المتحدة الأميركيّة مع أطراف عرب سوريين وسعوديين استهلاك الورقة الفلسطينيّة في الداخل اللبنانيّ تمهيدًا للاشتباك الطائفيّ الكيانيّ. ألم يعتبر المسلمون منظمة فتح في ذلك الحين جيش المسلمين في مقابل اتجاه عدد من اليمين المسيحيّ إلى الغرب بلا استقراء لكلّ تلك المنعطفات، ألم ير بعضهم بأن وجود الجيش السوريّ على أرض لبنان ضمانة، مثلما رأى بعضهم الآخر بأن اجتياح إسرائيل إلى بيروت سنة 1982 وقبل ذلك اتفاق كمب ديفيد بين مصر وإسرائيل ضمانة؟ الأزمة الكيانيّة والميثاقيّة غير معصومة ولا مفصومة عن التحوّلات الجذريّة المتحرّكة بهذا الإقليم الملتهب وبخاصّة في اللحظة المأخوذة نحو خريطة جديدة ترسم للمنطقة.

لقد جاء كلام باسيل في هذا الإطار واضحاً للغاية، تضيف المصادر المسيحية، بإشارته إلى زمن الوصاية السوريّة وقبلها الفلسطينيّة وتأثير كلّ هذا على سيرورة الفلسفة الميثاقيّة كمحتوى ولد من رحمه الدستور في المبادئ وليس العكس. القضيّة الحقيقيّة أن السنيّة السياسيّة في لبنان، بل الإسلام السياسيّ في المنطقة والمتحرّك بخطاب يحاول أربابه أن يقدموه للغرب كحالة حامية وضامنة، ومنطلقًا لجذب الغرب إلى الاستثمار في النفط والخيرات، تعطّل السياق الميثاقيّ الداخليّ، وقد قال أحد السياسيين بأنّ الأوان قد حان لكي تسمّى الأمور بأسمائها. لقد طرح السؤال على الرئيس نبيه برّي بلا ممالقة وبإخلاص تام بعيد خطابه في صور لماذا لم يسمّ المعرقلين والواقفين بوجه الدستور؟ هل التيار الوطنيّ الحرّ هو من يعرقل او أن الرئيس فؤاد السنيورة هو من يقف حجر عثرة بوجه التسوية القائلة بمجيء العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة والرئيس سعد الحريري رئيسًا للحكومة؟ لماذا برّي لم يعمد على تسمية الأمور ومن ثمّ العمل على تجسيد التسوية وبخاصّة بعد كلام أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله الأخير وقد فتح ثغرة واضحة باتجاه الوصول نحو التسوية المرتجاة.

وفي كلّ الأحوال لبنان ليس في أزمة ميثاقيّة بسبب العماد ميشال عون، تؤكد المصادر المسيحية، والعماد عون حظي بتأييد القوات اللبنانيّة كما حزب الله، بل إنّ الفراغ في الرئاسة خادم لما يحدث في المنطقة. ويذكّر هذا الأمر يوم جاء ريتشارد مورفي إلى لبنان سنة 1988 محذّرًا وقائلاً، «إمّا ميخائيل الضاهر أو الفوضى»، وقد ترك لبنان تحت فراغ كبير وفي فوضى عارمة أدّت إلى حروب في لحظة كان العالم يتحوّل بفعل قرب سقوط الاتحاد السوفياتيّ وبفعل احتلال صدّام حسين للكويت بفعل «نصيحة» إيبريل غلاسبي، احتدمت الحرب في لبنان حتى وصل لبنان إلى 13 تشرين الأول سنة 1990 وقد نضجت التسوية أيّ الطائف بعد تحقيق التحوّل الكبير وسار لبنان في طائف مكتوب لبنانيّاً وبتوافق سعوديّ-سوريّ جعل لبنان ضمن وصاية سورية سياسيّة وأمنيّة وضمن رعاية سعوديّة على المستوى الاقتصادي مع التأكيد على السنيّة السياسيّة كوعاء جديد رسمه الأميركيون والفرنسيون للبنان.

المشهد هو عينه الآن كما  تراه المصادر: إمّا انتخاب يأتي بسياسيّ مارونيّ ليست له حيثيّة تمثيليّة، أو الفراغ. حين لفظ مورفي كلمته انفجر الفراغ حروبًا متنقّلة، والفراغ الآن يستديم في لحظة حبلى بالتغييرات الجيوسياسية والاستراتيجيّة فمن الطبيعيّ أن يكون خادمًا لها وينساب على الداخل اللبنانيّ احترابًا حتى تولد التسوية من غالب على مغلوب…

وختمت المصادر نبيه برّي قارئ لهذا الواقع، والمسيحيون قارئون، والرجاء أن يقوم رئيس المجلس النيابيّ بمبادرة خلاّقة أولها وأهمها اللقاء بالعماد ميشال عون، هذا اللقاء بحدّ ذاته وبعد قطيعة مشوبة بسوء تفاهم عميم قادر أن يكون حجر زاوية تنقذ لبنان من أتون يتربّص به حتماً.