ليس هو ذكرى سنوية ولا يوبيلاً فضياً. فلماذا نفتح سيرة ذاك اليوم المشؤوم؟ ببساطة لأننا نشتمّ رائحة تفوح من تحقيقات قبرشمون تجعل التذكير بما حصل قبل 18 عاماً بالتمام والكمال واجب كل حريص على الحرية في لبنان.
كان الحراك السيادي يتمدد في النفوس والجامعات فجُنّ النظام الامني اللبناني – السوري وزجَّ بعشرات الشبان في زواريب الاستجوابات. قبلها كانت جريمة رمزي عيراني عنواناً. لكنها لم تكفِ المجرمين. فقالوا: لنعاقبهم جماعةً إذ يبدو التخويف الفردي غير مجدٍ.
تعرفون التتمة. سمعتم عن فصول قمع متنوعة وشاهدتم ذاك اليوم عسكراً يدهَم المقرات ويكدّس الشبان في الشاحنات ليأخذهم الى التحقيق ثم يجرُّ المحتجين في 9 آب امام قصر العدل في مشهد مشين.
تابعتم بعد نحو عام اقفال محطة “أم تي في” لجهرها بالموقف السيادي وفضحها بالصوت والصورة تزوير ارادة الناس في زمن الوصاية، وزبدته العهدُ اللحودي الذي أبى أن يتتوَّج إلا بجريمة العصر التي أودت بالرئيس رفيق الحريري.
لماذا التذكير؟ لأن ما حصل ليس قليلا في مسيرة رفع الوصاية، ولأن الجرائم التي ارتكبت تتالت وتغطت بالقضاء بعدما تحوَّل مطية، ولم تطل يد العدالة أياً من المجرمين والمحرضين والمتخاذلين.
لا نفتح ملفات، فالجميع يعلم الصغيرة والكبيرة ويدرك ان لبنان لا يزال على درب الجلجلة أو هو معلق على الصليب. لكننا إذ نتابع قضية قبرشمون ندهش لانعدام المسؤولية التي يتمتع بها من يفترض انهم أولياء الامر وأصحاب الحل والعقد في جمهورية “العهد القوي”، بل تستثيرنا تلك الفضيحة التي تجري علناً وبعيون مفتوحة وبلا وازع سياسي أو اخلاقي، ألا وهي التدخل في التحقيقات والضغط على القضاة من وزراء، ومحاولة تكييف القضايا بحيث تصب في هدف سياسي خطير يثير بدربه النعرات ويغرق وضعنا الاقتصادي لحد الاختناق.
هو مؤشر لنَفَس جديد ولكنه ليس بغريب. وكأنّ محاولة تركيب الملفات في قضية قبرشمون تتم بعقلية 7 آب نفسها. فبدل أن نكون في صدد بناء دولة القانون والمؤسسات، ها نحن ندمر أهم حصن يلجأ اليه الناس والضعفاء وطالبو الحق: القضاء وجسم القضاء.
ان ندافع عن استقلال السلطة القضائية ونفضح المتدخلين وندين اي تركيب للملفات، هي معركة لا تقل أهمية عن مكافحة الفساد واسترجاع السيادة والدعوة الى حصر السلاح بالشرعية. والفشل في هذه المعركة يعني فتح الباب لعودة نظام أمني يحنّ الى “سيدة نجاة” عبر قبرشمون ويعمل الـ 7 وذمتها و70 مرّة 7 آب!