IMLebanon

ليس بالدموع والبكاء!

لا يمكننا أن نكابر وننكر أن إحياء الموارنة عيد شفيعهم مار مارون هذه السنة يحمل مرارة يتعيّن على غير الموارنة وغير المسيحيين حتى أن يتفهموها ما دامت أزمة الفراغ الرئاسي تعني طائفة المنصب الأول في الجمهورية اللبنانية في الدرجة الأولى. فتاريخ الموارنة المميز وإرثهم الثقافي مع الكيان اللبناني ليس أمراً يمكن فصله عن تاريخ لبنان ولا يمكن التنكر لواقعه. ومع ذلك نسارع الى القول إننا لسنا مع تلك التوجهات المارونية أو المسيحية عموماً التي تنطلق من أزمة الفراغ الرئاسي لتنعى المسيحيين وعبرهم لبنان النظام والدولة والتنوّع والتعدد. فإذا كنا لا ننكر على المسيحيين والموارنة أنهم ملح التعددية والديموقراطية اللبنانية، فإننا نرى اليوم أن باقي طوائف لبنان المسيحية والاسلامية هي في موقع مأزوم وطنياً وسياسياً ومعنوياً وحتى دينياً وكلها سواء في هذه الحفرة العميقة التي لم ترس بعد على قعر. ولعلها أفضل مناسبة في عيد مار مارون أن نعكس الرؤية السائدة القائمة المنطلقة من بكاء على حكم ضائع لدى طائفة بعينها لنبيّن أن الحكم الضائع هو خسارة فادحة لكل الطوائف وأن ما يصيب طائفة المنصب الأول ينسحب بأشد منه سوءاً على الآخرين.

ان ثمانية أشهر من فراغ كرسي رئيس الجمهورية اللبنانية أثبتت بما لا يقبل جدلاً أن لا مكان في لبنان لأي انقلاب دستوري أو قسري لأن شيعة لبنان ليسوا ولا يمكنهم أن يكونوا كالحوثيين الانقلابيين في اليمن ولو تورّط فريق كبير منهم في الحرب السورية. كما أن سنّة لبنان لا يمكنهم أن يكونوا البدل من الضائع الرئاسي بدليل أن رئيس الوزراء نفسه يكاد يقلب الطاولة على وزراء يستمتعون بصلاحيات مقتنصة في زمن الفراغ الرئاسي. ثم أن المسيحيين أنفسهم ليسوا ولن يكونوا وحدهم “ضحايا” هذا الفراغ سواء أكانوا أصل المشكلة وسبب الفراغ، أم شاركهم في المسؤولية أطراف ودول وظروف معقدة. فكل لبنان بات ضحية ولا يمكن المسيحي أو الماروني أن يتباكى وحده على الرئاسة، فيما باتت الأزمة في مستوى يقارب الخطر الوجودي. وإذا كانت ثمة من أيجابيات في هذه الأزمة المتمادية والمفتوحة، فهي أنه في الزمن الداعشي الوحشي الذي يرتجف أمام أهواله العالم، تتمسك الطوئاف الاسلامية في لبنان أكثر من أي وقت مضى بالرئاسة المارونية المسيحية فعل أيمان نعتقده صادقاً في الدفاع عن لبنان ووجوده وكيانه بالغاً ما بلغت الانقسامات السياسية الداخلية.

لا يعني ذلك أننا نقلل خطورة الهواجس المسيحية من جهة ومسؤولية شركائهم المسلمين في تبديد هذه الهواجس من جهة أخرى، وخصوصاً متى كانت الارتباطات الخارجية لبعض هؤلاء الشركاء بمشاريع اقليمية محورية بالغة الخطورة على هوية لبنان وحتى على عروبته (اذا كان ثمة بعد من يتذكر هذه الكلمة) هي السبب الأكبر في نظرنا للهواجس اللبنانية عموماً. لكننا نلفت فقط الى أن الرئاسة اللبنانية الشاغرة باتت عنوان عيب وطني شامل قياساً بتاريخ غابر لن يعود بالدموع.