كان آخر العناوين السياسيّة التي تصدّرت المشهد السياسي بالأمس بخصوص جلسة 16 كانون الأوّل لانتخاب رئيس للجمهورية ما تمّ تداوله عن إبلاغ الرئيس نبيه برّي لشريكه في «حلف الدمّ» النائب وليد جنبلاط عبر أحد موفديه «أنّ كتلته لن تشارك في أية جلسة انتخاب لرئيس الجمهورية يغيب عنها حزب الله»، وبثقة أقول اليوم إنّ التسوية التي زلزلت لبنان منذ الأسبوع الماضي ماتت و»عطتكن عمرها» ودفنّاها أيضاً، ولكن ما قبل التسوية لن يكون أبداً كما بعده، ويبقى أن ندوّن هنا بعض الملاحظات على هامش الأيام المرّة التي عصفت بلبنان، والتي انكشفت فيها رداءة أداء وإدارة التسويق للمبادرة التي أطلقها ولم يطلقها الرئيس سعد الحريري، عند بعض فريقه، وبعض نوّاب تيار المستقبل.
الأسوأ في هذه التسوية أنّها خرجت من دون أن «يستلقّاها» فريق مهيّأ للتعاطي مع هكذا مفاجآت، على الأقل كان يجب أن يكون هناك فريق إدارة أزمات سياسيّة، وهو أمرٌ قد يتعرّض له أيّ حزب أو سياسي مرموق، يحسب حسابات الصدّمة التي ستخلقها بين جمهور الرئيس الحريري نفسه وجمهور فريق 14 آذار عموماً، للأسف الصّدمة خيّمت على الجميع، وهنا لا بُدّ من القول: الرئيس سعد الحريري ليست شغلته إذا ما أطلق مبادرة أن يتصدّى بنفسه لتسويقها، وإلا ماذا يفعل هذا الجيش الذي يعيش على حساب «البريستيج السياسي» المستقبلي.
والأسوأ أيضاً تخلّي البعض من المستشارين عن القيام بدورهم، بل ويخونون أمانة دورهم هذا، فعندما قال «أبو الهيثم بن التيهان» للنبي صلى الله عليه وسلم اختر لي. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن المستشار مؤتمن» [سنن ابن ماجة]، فهل هناك أسوأ ممّن يخون أمانة استشارته بإبداء الموافقة على كلّ شيء حتى ولو فيها هلاك صاحبها؟!
وفي الحكمة التي ينسبها البعض بالضعف إلى الحديث النبويّ الشريف ما رواه الطبراني في معجمه الكبير والصغير مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: «ما خاب من استخار ولا ندم من استشار» [قال عنه الحافظ في الفتح: رواه الطبراني في الصغير بسند واه جداً. وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الأوسط والصغير من طريق عبد السلام وعبد القدوس وكلاهما ضعيف جداً]، فبعض هؤلاء المستشارين يفقه في الفقه، ولكنّه لا يفقه في السياسة مثلاً، ورثه الرئيس الحريري عن والده الرئيس الشهيد الذي كان حريصاً أن يكون في فريقه أهل اختصاص بحسب ما يتطلّب الموقف السياسي خلال زياراته السياسيّة الدوليّة.
والأسوأ؛ أنّ الفريق الذي ينبغي أن يتفرّغ لشرح المبادرة أو التسوية، أو تحضير الرأي العام لها، لم يتذكّر أنّ عليه المسارعة للإطلالة على النّاس إلا خلال اليوميْن الماضيين، وكأنّهم هم أنفسهم في حال عجز وغير ملمّين بحجم الاستياء الذي عمّ الشارع، والأدهى أنّ البعض بلغ منه العجز حدّ تصوير مبادرة الرئيس الحريري وكأنها تهدف لشقّ صفّ فريق 8 آذار وأنّ المتضرّر الأكبر سيكون النائب ميشال عون، هكذا وعلى الملأ وعلى صفحات موقع Facebook، غير مدركين أنّ هذه التبريرات مسيئة للرئيس سعد الحريري ومبادرته.
والأسوأ أيضاً، من حال العجز في التسويق للمبادرة خروج البعض للدفاع عن الرئيس سعد الحريري بمنطقيْن متناقضيْن، فريق يقول: الرئيس سعد الحريري لا يهمّه أن يأتي رئيس حكومة لا لسنة ولا لست سنوات، ولكن همّه إنقاذ البلد، فيما فريق آخر يقول: البلد في مأزق إقتصادي كبير ولا أحد يستطيع أن ينقذه إلا أن الرئيس الحريري لأنّه يملك مشروعاً إقتصادياً، هذا الكلام قيل على شاشات التلفزة، وعندما قيل لصاحبه: الأزمة الماليّة التي يمرّ بها الرئيس الحريري أوْلى بحلّها، أجاب: لا أملك معلومات عن هذه المسألة!!
أمّا أسوأ «الأسوآت» هذه فالزميليْـن علي حمادة ونديم قطيش، الأول اعتبر أوّل من أمس أنّ 14 آذار أكبر من ردّ فعل شعبيّ، مع أنّ 14 آذار نفسها بالمليون ونصف التي اجتاحت الساحات كان ردّ فعل شعبيّ واسع على حسن نصرالله، أإلى هذا الحدّ الاستخفاف بشعب 14 آذار؟! أمّا نديم قطيش فحدّث ولا حرج، فمن «فكرته الجهبذيّة» للهجوم على السرايا في تشييع الشهيد وسام الحسن، إلى «عبقريته» في مهاجمة سمير جعجع الحليف الوحيد للرئيس سعد الحريري، ولووووو!! مع من سنتحالف إذن؟ مع وليد جنبلاط، أم مع حزب الله؟!
تبقّى أمرٌ واحد، ثمّة حملة بدأت بالأمس على الوزير أشرف ريفي، و»مقزّزة» هذا الرّجل ما زال مشروع شهيد، ما هكذا يُدافع عن مبادرة الرئيس سعد الحريري، وهذا غيض من فيض، على الرئيس سعد الحريري أن يعرفه ويطّلع عليه، «ضيعانك» دولة الرئيس، حصّن فريقك ممّن لا يملكون قدرة على الإقناع، ولا إدارة الأزمات، فلبنان بلد الأزمات، فهؤلاء لا يقومون بأمانة دورهم، وكفى.