يحل اليوم عيد شهداء الصحافة اللبنانية، وهو بالفعل عيد أكثر منه ذكرى وحسب، فالتضحية بالنفس في سبيل القضيّة هي ذروة العطاء، وذروة الفرح، وليس أنبل وأصدق من هذا العطاء.
و «القضية» التي استشهد من أجلها صحافيون لبنانيون منذ قافلة أولئك الأبرار في العام 1916 وحتى أيامنا هذه، إنما هي قضيّة مقدّسة، وأقول «قضية» ولا أقول «قضايا»، لأنه مهما تعدّدت الأسباب والدوافع يبقى المنطلق واحداً، وهو إيمان الشهداء بوطنهم، وإن اختلفت النظرة في ما بينهم إلى السّبل … وإيمانهم بالحرية التي هي الغاية والمرتجى.
في سبيل وطنهم استشهدوا، وتحت راية الحرية سقطوا… فأنحني أمامهم جميعاً بتقدير واحترام من دون أي استثناء…
وليتنا نقتدي بسيرتهم الحَسَنة، وهم الذين منذ القافلة الأولى في 6 أيار 1916 علقهم جمال باشا السفاح على أعواد المشانق، لم يفرّق بين مسيحي ومسلم منهم، ولا بين خادم رعية سنّ الفيل الخوري يوسف الحايك، وامام جامع النوفرة في بيروت الشيخ أحمد طبارة… ولا بين السنّي محمد ومحمود المحمصاني(…)، والشيعي يوسف سعيد بيضون وعبد الكريم الخليل (…) والماروني سعيد فاضل عقل وفيليب وفريد الخازن (…) والأرثوذكسي أنطوان وتوفيق زريق وبترو باولي (…) والكاثوليكي نخلة باشا المطران (….) الخ.
ولم تكن مجرّد مصادفة أنّ في طليعة هؤلاء الشهداء صحافيين أبراراً (الشقيقان الخازن والخليل وعقل وسواهم) الذين كان لهم فضل الريادة والقدوة، ولكي لا تكون مجرّد مصادفة، فإن قوافل شهداء الصحافة لم تتوقف، لينضم الى أولئك الأوائل الماهرين صحافيون عرفتهم منذ طفولتي حتى اليوم أمثال الشهداء المرحومين نسيب المتني وكامل مروة ورياض طه وسليم اللوزي (…) وجبران تويني وسمير قصير وسواهم من الذين سقت دماؤهم الطاهرة تربة الوطن بدم الحرية.
يوم استشهد المرحوم طوني فرنجية رافقت والده الرئيس المرحوم سليمان فرنجية في السيارة من الرابية الى زغرتا فإهدن، حيث كانت المأساة تبلغ ذروتها بمشاهدة جثث الزعيم طوني وزوجته فيرا وطفلتهما جيهان، فوقف الرئيس سليمان بوقاره ومهابته وحرقة قلبه أمام الجثث الثلاث، وخاطب نجله قائلاً: أنت تعمل في السياسة فأنت معرض للإغتيال، وقال لفيرا: أنت زوجة السياسي فأنت معرّضة للإغتيال، أمّا أنتِ (للطفلة جيهان) فما ذنبك؟!
ومن أسف وألم أقول: أما وأننا نعمل صحافيين، خصوصاً في هذه المنطقة المضطربة من العالم، فكلنا مشاريع شهداء.
رحم اللّه شهداء لبنان جميعاً، كائناً مَن كانوا وحيثما يسقطون، لا أستثني أحداً، وإن كنت أخص شهداء الجيش والقوى الأمنية، وبالذات شهداء الصحافة… ولتكن دماؤهم قرابين على مذبح هذا الوطن لبنان، الذي يرخص في سبيله كل بذل وتضحية.