هناك في بلادنا وفي عصرنا وبين أهلنا وناسنا من يخمّن أن الأمور في هذا العالم الممكنن تدار جميعها بكبسة زر، وعلى هذا الأساس تنتشر نظرة للحدث السياسي تبحث دائماً عن كبسة الزر وراءه أو حتى بعده. مثلاً يتم اعتماد المنطق الاستفهامي التالي: هل معقول انّ كل شيء عفوي؟ لا، غير معقول. اذاً، كل شيء يدار بكبسة زر!.
في لبنان اليوم هناك من يكابر على هذه الجزئية وهناك من يباشر الفهم. السياسة ليست كبسة زر. الحيثية السياسية ليست كبسة زر. التغيير السياسي ليس كبسة زر. هذا التعالي على كل معطى اجتماعي، وكل تحليل ملموس للواقع الملموس، ولكل مقاربة ذات طابع نظري، انما يستتبع تفشي الاعتقاد بكبسة الزر، وهذا أصل من أصول البلاء الذي نعانيه.
هناك أزمة نفايات لا حل لها بالترقيع والتسويف والمواربة والتأجيل. لا حل لها أيضاً بكبسة زر من أي نوع، وكل الشعارات المرفوعة لحلها لا توحي بأنها جذابة بالشكل الكافي. هناك امور متشابكة: لايجاد حلول لهذه الازمة ينبغي اعتماد تفكير بيئي يتجاوز مسألة النفايات لوحدها، وتفكير اجتماعي لأن أي معالجة ما عاد يمكنها ان تتعايش مع شراهة الكسب نفسها، وهذا لا يتبدل بدوره بالوعظ الاخلاقي فقط، بل هناك تركيبة ذهنية ومعاشة كاملة ينبغي اعادة تدويرها، وشيئاً فشيئاً يظهر انّه، ومن كثرة ما تفشى الاعتقاد بأن هذه المشكلة او تلك تحل بكبسة زر، وهذا القانون او ذاك ينفذ بكبسة ذر، كانت النتيجة ان تراكمت المشكلات العويصة والمستعصية، الى ان ظهرت المشكلة التي لا يسمح موضوعها، النفايات، بركنها الى جانب المشكلات المستعصية الاخرى. لا يمكن اخماد رائحتها بكبسة زر.
ايضاً، ذهنية «كبسة الزر» تقود اصحابها للانعزال عن الناس، وقضاياهم، وافكارهم، وتصور ان اي حركة احتجاجية هي لزاما حركة سلبية، وفيها طابور خامس، ويقودها طرف خفي، الى آخر المعزوفة.
في المقابل، لا كبسة زر لاصلاح الدولة اللبنانية، لا كبسة زر من اجل الانتخابات البرلمانية، لا كبسة زر في الموضوع الرئاسي. ليس معنى ان هناك تعطيلا في كل هذه المؤسسات ان العطل يتعلق بكبسة الزر.
هناك عملية تفاوضية جدية بين اطراف المجتمع اللبناني لم يعد منها مهرب. هذه هي النقيض من كل منطق كبسة الزر. واطراف المجتمع اللبناني هذه لم يعد مقبولا حصرها باللون السياسي وحده، ولا اقامة القسمة التعسفية بين سياسيين ومدنيين.
حتى الساعة، هناك تفاوض ميداني، خارج القنوات. وتأطيره في قنوات ليس ابداً مسألة كبسة زر.
وقد يكون كلام الرئيس تمام سلام بالأمس بالمحددات الاساسية التي شددها عليها هو النقيض تماماً لمنطق حل الامور بكبسة الزر، ولمنطق اما كبسة الزر واما التسويف.
وهذه العملية التفاوضية بين اللبنانيين، وغير المحصورة في السياسة بالمعنى التقليدي المختزل الى وجوه قيادية تحرك هنا وتحرك هناك، لم يعد مقبولاً التعامل معها بخفة.
والتفاوض ليس فقط بين احزاب، او بين طوائف، او بين احزابه، انه يستند ايضا الى صراع بين أجيال. اعتقد كثيرون ان تجديد النخب السياسية بحواضر البيت يغني عن هذا الصراع. ظهر العكس، او ربما.