تفصيل مهم، الإعلان في بغداد عن سيطرة الجيش العراقي على «معبر الوليد» الحدودي مع سوريا، بعد طرد «داعش» منه ومن المنطقة المحيطة.
أهميته (مبدئياً) تكمن في أن «صورة» قاسم سليماني الأخيرة، في منطقة قيل إنها حدودية مع سوريا أيضاً (؟) ووسط مقاتلين جيء بهم من أفغانستان، تضرّرت قبل أن تُكمل وصولها إلى مَن أُرسلت إليهم! بحيث أن المغالاة في الربط الجغرافي البرّي بين مناطق النفوذ الإيراني، تبدو أعقد (وأخطر) من أن تُحتمل، حتى من قِبَل الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي.
أي كأنّ العبادي يحاول القول إن هناك فارقاً أساسياً (؟) بين «الحشد الشعبي» الذي يقاتل «داعش» في الموصل، ولا يتردّد قادته وضبّاطه ومرشدوه الدينيون، في إظهار وإعلان ارتباطهم بإيران والتزامهم المباشِر بتوجيهات قائد «فيلق القدس» الجنرال سليماني.. وبين الجيش العراقي (الرسمي) الخاضع لسيطرة حكومة العبادي في بغداد. وأن هذه الأخيرة، على ما قال رئيسها بالأمس، تسعى إلى تأكيد «استقلالية قرارها السياسي»، والإصرار على «ان علاقاتنا الخارجية مبنيّة على تغليب المصلحة العليا للعراق وشعبه» (..) و«قرارنا واضح بعدم تحويل أرضنا إلى ميدان حروب بالنيابة»!
وهذا كلام كبير! ومُوجَّه إلى الإيرانيين والأميركيين معاً، لكنه يمسّ في ظاهره الإدّعاءات الخارجة من طهران عن نفوذها المهيمن على أربع عواصم عربية منها بغداد! والتي يصرّ الجنرال سليماني، مرّة تلو مرّة، على تأكيده من خلال حضوره المباشر بين «مقاتليه» أكان في العراق أو في سوريا!
لكن شيئاً من الاستدراك يقود إلى ملاحظة أمرين. الأوّل، هو أن الأميركيين «أبلغوا» مَن يعنيهم الأمر، بأن الاقتراب من الحدود المثلثة السورية – العراقية – الأردنية ومن قوّاتهم الموجودة في قاعدة التنف، ممنوع! والثاني، هو أن الإيرانيين أنفسهم كانوا أوّل مَن أخذ بذلك التبليغ ميدانياً.. وابتعدوا! وأن محاولاتهم لجسّ النبض والتيقّن من جدّية الموقف، تلقّت ردّاً مباشِراً، بالطيران الحربي الأميركي بداية، ثم بإدخال منظومة صواريخ أرض – أرض جاهزة للعمل!
والإيرانيون شاطرون بالتكتكة ويقاتلون بغيرهم. بأدواتهم وميليشياتهم المشحونة مذهبياً، ويتجنّبون الانخراط المباشِر خصوصاً مع مَن هو أقوى منهم! والواضح أن الأميركيين صاروا في الميدان، وإن كان حضورهم متواضعاً حتى الآن. وفي حدود دفاعية وليست هجومية، لكنها بالتأكيد، كافية للجم طموحات (استكمال) الوصل البرّي الذي تريده إيران ولو على شكل «صورة» بين أفغان!
المعادلة الراهنة تفيد، من دون أي أوهام، أن لا الأميركيين ولا الإيرانيين في صدد الاشتباك المباشِر! وان مَن في واشنطن، مثل الذي مَن في طهران، يفضّل «المراسلة» بالواسطة حتى الآن (؟) سوى أن «قواعد الاشتباك» هذه مرشّحة للتعديل في حال أصرّت القيادة الإيرانية على تعويض فشلها الداخلي بفتوحات خارجية.. واستطردت إلى حد استسهال المسّ بركائز الاستقرار في الأردن والمنطقة الحدودية الجنوبية السورية!
بهذا المعنى، فإن كلام العبادي «الاستقلالي» الأكبر من واقع الحال القائم في العراق، يتمّم الإعلان (المهم في كل حال) عن سيطرة الجيش على «معبر الوليد»، ويُخفِّف، أو يحاول التخفيف من حدّة التوجّس الأميركي والتأهّب الإيراني! ويعيد مسألة الربط الجغرافي بين بغداد ودمشق إلى مستواها «الرسمي» البعيد عن ازدواجية «داعش» من جهة و«الحشد الشعبي» من جهة ثانية!
وذلك في جملته لا يدلّ على أداء «جديد» لأي من المنخرطين في المواجهة الراهنة، سورياً وعراقياً، برغم كل كلام آخر. ومواقف العبادي تحت ذلك السقف وليست فوقه.. وربما يحتاج أمر ذلك الجديد إلى انتظار نهاية معركتَي الموصل والرقّة.. لنرَ!