لم يكن حسين ابن بلدة «الطيري» الجنوبية يفوّت فرصة أو مناسبة يطل فيها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله وإلا ويكون حاضراً فيها، وهو الذي كان يصل على الدوام قبل ساعات إلى مكان الإحتفال ليحجز لنفسه مقعداً في الصفوف الأمامية حتى يتمكن من رؤية «السيد» عن قرب ولو من خلال شاشة يحول وهج الشمس في معظم الأحيان بينه وبين صورة يُلاحقها في معظم الأحيان من كرسي إلى آخر كي تتضح له الرؤية.
ما إن انتهى نصرالله عصر يوم الجمعة الفائت من كلامه خلال الإحتفال بمناسبة الذكرى التاسعة لحرب تموز في وادي الحجير، حتى خلا المكان من الناس بلمح البصر ليتوزعوا إما على النهر أو على المطاعم المحيطة بالمكان والتي غاب عنها زوّارها منذ فترة طويلة. هناك في احد تلك المقاهي حيث جلس حسين مع مجموعة من أصدقائه يتناقشون في كلام نصرالله ويُحللونه لكن من دون الوصول إلى نتيجة تُقنعهم بأنهم ما زالوا القوّة الفاعلة والجهة الأقوى في المنطقة على غرار ما كانوا عليه منذ تسع سنوات.
الهروب من الحاضر إلى الماضي هو ما حاول نصرالله القيام به في خطابه كخطوة أولية، وكأنه كان يترحّم على زمن قال فيه ان الله كان معهم ونصرهم وكأنه إعتراف ضمني بأن من نصرهم بالأمس على أعتى الجيوش في المنطقة بحسب وصفه للإسرائيلي، قد تخلّى عنهم اليوم في مواجهتهم لمجموعات صغيرة تُقاتل من أجل العيش بكرامة في الزبداني وغيرها من القرى والبلدات السورية حيث يعجز فيها حزبه عن تحقيق أي إنتصار إضافة إلى عدد عناصره الذين خسرهم هناك والذي يزيد عددهم عن ثلاثة أضعاف تقريباً ما كان خسره في حرب تموز التي يُصرّ نصرالله على منحها الطابع الإلهي.
بدا واضحاً في كلام نصرالله أن هناك مُشكلة تعتري العلاقة بين «حزب الله» وبين الإيراني وتحديداً في ما خص الأزمة السوريّة، فالحزب الذي يُقاتل منذ سنوات أربع وسقط له أكثر من الف عنصر، ثلاثمائة منهم في الزبداني، وجد نفسه أمام أمر واقع يفرض عليه هدنة مع «التكفيريين» وسط مفاوضات لا مكان له فيها سوى تلقّي الأوامر، وهنا تشير معلومات إلى أن الحزب والنظام هما اللذان أسقطا المفاوضات الجارية في تركيا بين إيران وحركة «أحرار الشام» بخرق إتفاق الهدنة الذي لم يدم سوى ثلاثة أيام.
وما زاد من حدّة الإحتقان داخل بيئة الحزب وجمهوره، إلغاء وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف زيارته إلى ضريح عماد مغنية والتي كانت أدرجت ضمن لائحة برنامج زيارته الى بيروت، وهو ما جعل نصرالله يخرج عن الطاعة الإيرانية، ولو في الكلام فقط، عندما قال «النائب ميشال عون ممر الزامي لإنتخابات الرئاسة»، وكأنه أراد بكلامه هذا قطع الطريق على أي تسوية أميركية إيرانية تتعلق بالشأن اللبناني. وقد تبعه في اليومين المنصرمين جملة مواقف لوزراء وسياسيين في «حزب الله» تُعلن الوقوف إلى جانب عون وتأييد مطالبه وصولاً إلى التهديد باللجوء الى الشارع.
منذ فترة طويلة وخطابات نصرالله لم تحمل أي جديد، حتى الوعود بالنصر في سوريا لم تعد بالنسبة إلى جمهوره تؤتي أكلها، وفي ظل هذا التبدّل المُفاجئ الذي طرأ على طريقة عمله منذ تدخله كطرف أساسي في الأزمة السورية، يجد «حزب الله» نفسه وسط دوّامة من الأزمات لا يجد طريقا للنفاذ منها سوى عبر إنغماسه بدوّامات إضافية كان آخرها الشبكة الإرهابية التي ضُبطت في الكويت أخيراً والتي كانت تتحضر لزعزعة الأمن فيها، ما أعاد اللبنانيين بالذاكرة إلى زمن تصاعد قوّة منظمة «التحرير الفلسطينية» في لبنان قبل أن تعود وتنحدر نزولاً نتيجة ممارساتها وإرتكاباتها بحق الشعب اللبناني والشعوب العربية.
لم يخرج حسين ورفاقه من نقاشهم داخل المقهى بنتيجة واضحة أو بتحليل منطقي حول مستقبل «حزب الله»، فكل الأمور بالنسبة اليهم ظلّت مُبهمة. وللمرّة الأولى منذ العام 2006 يعترف ابن بلدة «الطيري» بإضاعة بوصلة «المقاومة» وانحرافها عن وجهتها الصحيحة. عبّر عن شوقه وحنينه إلى زمن موقع «الدبشة» و»عليّ الطاهر» وتمنى بشكل علني لو تعود لـ»جبل الرفيع» قيمته الفعلية بدل الغرق في «الزبداني» و»القلمون» وغيرها من المدن السورية. لكن الوجع الأكبر الذي ترك آثاره في نفس الشاب الجنوبي، أنه خرج من المهرجان من دون أن يُضيف أي جديد لـ»أرشيف» السيد الذي لاحقه ذات يوم من إحتفال إلى آخر ليستمتع بـ»فصل» الخطاب.