«فخامة رئيس جمهورية موريتانيا الإسلامية محمد ولد عبد العزيز، يطيب لنا ونحن نغادر موريتانيا أن نتقدّم منكم باسم الحكومة والشعب اللبناني بأسمى آيات الشكر والتقدير على الحفاوة التي أحاطتنا من قبل السلطات الموريتانية الرسمية والشعب الموريتاني الشقيق الذي يفيض كرماً وعزة متمنّين لكم دوام الصحّة واستمرار النجاح في قيادة شعبكم الكريم على درب التقدّم والرفاه… أخوكم تمام سلام رئيس الوزراء في الجمهورية اللبنانية»…
رسالة أطلقها سلام من الطائرة وهي تهمّ بمغادرة نواكشوط محاوِلاً رأب صدع ما احدثه سوء الترجمة لكلام وزير الصحة وائل ابو فاعور ومقدّراً لهذا البلد الكريم المتواضع والمضياف حفاوة استقباله للوفد اللبناني حيث خصّته الدولة الموريتانية بمعاملة خاصة بدأت مع المفرزة السباقة لترتيب زيارة الوفد الرسمي حيث أمّنت له كلّ ما طلبه، من مستلزمات طلبها، وأخذت بالكثير من ملاحظاته ونصائحه لجهة تنظيم أعمال القمة وتسهيل أمور الوفود المشارِكة.
فلم يسمع رئيس الحكومة أيَّ كلمة عتب موريتانيّة على ما حصل، بل اقتصر الأمر على الوفد الإعلامي الذي ظنّ أنّ بُعد المسافة والجغرافيا بين لبنان وموريتانيا سيقلّل من أهمّية ما اعتاد لبنان على إثارته وتحويله قضية.
وإذ تفاجَأ رغم أنه كان متحسّباً لانتشار الخبر داخل الخيمة الإعلامية، لكنّ الأمر لم ينعكس ردّةَ فعل سلبية، إنّما قوبلَ بمعاملة خاصة مع بعض «التلطيشات» لجهة تأمين المكان والاهتمام وتقصّدَت التشريفات الموريتانية وأصرّت أن يعرّج الوفد على إحدى الفيلات التابعة للدولة، ليتفاجَأ الوفد أنّ الفيلا أعِدّت بأحلى حلّة مع نظافة فائقة وحسنِ ضيافة وطيب الكلام، وهو ليس غريباً على هذا الشعب الطيّب. وعلى سبيل المزاح وُجّهت لأبو فاعور دعوة لقضاء عدة أيام في موريتانيا والمسامح كريم.
هذا على مستوى العلاقة مع موريتانيا أما على مستوى القمة فبرز السؤال ماذا حقق لبنان وماذا عن «حزب الله»؟
نبدأ من كواليس تحضير القمة، فبحسب معلومات «الجمهورية» تميّزت قمة نواكشوط بتحضير دبلوماسي واسع ومكثّف على مستوى مديرية الشؤون العربية في الوزارة بالتواصل مع وزير الخارجية جبران باسيل والرئيس تمام سلام مباشرة، فتمّ إعداد ملف كامل الى القمة التي شارك باجتماعاتها 4 دبلوماسيين هم: سفير لبنان في الجزائر غسان المعلم والقائم بأعمال لبنان في السنغال ناجي خليفة حيث تقع موريتانيا ضمن نطاق صلاحياته، ومندوب لبنان الدائم لدى الجامعة العربية بالوكالة أنطوان عزام بالتواصل مع مدير مكتب وزير الخارجية رامي عدوان والذي رافق سلام.
الدبلوماسية اللبنانية تعاطت مع كلّ البنود والقرارات بمرونة وازنة بين حساسيات الداخل وسياسة الدول الخليجية الجديدة تجاه لبنان وانصبّ الاهتمام المباشر على البنود التي تخرج شكلياً عن تلك الدائمة في القمة العربية والتي تتجدّد تلقائياً في كلّ دورة.
فالقرار المتعلّق بإدانة التدخّلات الإيرانية في الدول العربية تضمّن فقرتين السابعة والثامنة، تصفان «حزب الله» بالإرهابي وهو منحى قد برز في أروقة الجامعة العربية منذ بداية العام الحالي وكان لبنان ممَثلاً بوزير خارجيته وقد تحفّظ سابقاً على هذا التوصيف باعتبار «حزب لله» مكوِّناً أساسياً وشريكاً في الحكومة وحصل ما حصل.
الموقف نفسه أكد عليه سلام في موريتانيا وعند طرح القرار لم يحظَ بالاجماع بسبب تميّز بعض الدول منها الجزائر وتونس والعراق عن مواقف الدول العربية الأخرى فتحفّظوا مع لبنان لاعتبارات خاصة بكلّ دولة.
أما فيما يتعلق بالبند الدائم الذي ينصّ على التضامن مع لبنان، فقد أُصيب للمرة الأولى منذ تأسيس الجامعة بنكسة حيث أعلنت دول خليجية موقفاً خارج المألوف فقد تحفّظت البحرين عن هذا البند، ونأت بنفسها كلّ من السعودية وقطر والإمارات مؤيّدة في الوقت نفسه تحفّظ البحرين، ولكنّ المفارقة تأتي عند المقارنة بين مواقف الدول الخليجية خلال الاجتماع على المستوى الوزاري في آذار المنصرم وتلك التي اعتُمدت اثناء القمّة حيث تمسّكت عمان بموقف محايد رافضة النأي بالنفس عن هذا البند أثناء القمّة، أما الكويت فكان لها الدور الأبرز في هذا السياق وهي التي كانت قد نأت بنفسها في آذار الماضي، عادت وأيّدت القرار أثناء القمّة، لا بل إنها جهدت في الكواليس لتقريب وجهات النظر وإعادة اللحمة الى العلاقة التاريخية والأخوية التي تربط لبنان بدول الخليج، إلّا أنّ المواقف المتصلّبة للبحرين والسعودية لم تساهم في تذليل العقبات أثناء القمة.
وسُئل وزير الخارجية البحريني عن هذا الأمر في حديث جانبي، فأجاب: أمام لبنان خياران إما خروج «حزب الله» من الحكومة أو إقناع السيد حسن نصرالله بأن ينسى البحرين ومَن يدق الباب سيسمع الجواب وكلام لبنان يكون مع العلم الأخضر.
أما عن طرح لبنان الذي حمله سلام حول إنشاء منطفة اقامة للنازحين السوريين بإشراف هيئة عربية فقد حصل نقاش واسع قبل الاتفاق عليه حيث كان الطرح ينصّ على إقامة منطقة آمنة، لكن، تبيّن بعد النقاش أنّ المنطقة الآمنة «تنقّز» أطرافاً داخلية ودولية وتحتاج الى معايير وظروف عسكرية وسياسية واجتماعية خاصة لا يمكن الاتفاق عليها ولا تقبل بها سوريا على الاطلاق لأنها تشبه المشروع التركي الذي يطالب بإقامة منطقة آمنة على الحدود السورية التركية، كما أن أطرافاً لبنانية داخل الحكومة لا ترضى بهذا الطرح، فارتأى الرئيس سلام أن يتحوّل طلب لبنان الى منطقة إقامة وأتى رفع النبرة في مطالبته الدول العربية لمساعدة لبنان في ازمته من صميم المعاناة وهو يدرك أن لا احد مستعد للمساعدة جدّياً ولبنان على شفير الانهيار كلما طال النزوح.
من هنا، فإنّ الجهود ستنصبّ في المرحلة المقبلة على تسويق هذا الطرح بشتى الوسائل…. فهل ستنجح الجهود؟ كلام آخر… ولعلّ أكثر ما يؤكد أنّ لبنان متروك لمأساته وأعداد نازحيه هو ما عبّر عنه أحد المسؤولين العرب عندما همس بأذن احدهم بالقول: …لن يفيدكم إلّا الكلام مع الدولة السورية… اذهبوا اليهم.