لم يكد يُغلق ملف الحدود الجنوبية البحرية للبنان، مع كل ما رافقه من جدل سياسي واقتصادي محلي وخارجي، حتى انطلقت معركة متّصلة به نسبياً محورها الاستحواذ على الحصّة التي ورثها لبنان من «نوفاتيك» عندما انسحبت من المشاركة في عقد الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في البلوك الرقم 9. والاهتمام القطري الظاهر بهذه الحصّة البالغة 20%، قد يكشف عن اتفاق ضمني على تقاسم الأعباء والمغانم في غاز المتوسط.
ففي 12 تشرين الأول تلقى لبنان رسالة من وزير الدولة لشؤون الطاقة سعد بن شريدة الكعبي، يطلب فيها الاستحواذ على حصّة شركة «نوفاتيك» في عقد استكشاف النفط والغاز في البلوك 9. لكن الجانب القطري يؤكّد في رسالته أنه يسعى أيضاً «كجزء من الشروط المبدئية» إلى الاستحواذ على حصّة تبلغ 5% من «توتال» و5% من حصّة «إيني». بمعنى أوضح، يلمح الكعبي إلى أن الهدف هو الاستحواذ على 30% من مجموع الحصص في عقد الاستكشاف، علماً بأنه يرجح أن يكون الجانب القطري قد حسم النقاش في مسألة الاستحواذ على حصص «إيني» و«توتال» وإلّا لما ذُكر الأمر باعتباره «شرطاً مبدئياً».
إذاً، ما الهدف من الاستحواذ على 30%؟ في الواقع، ليس هناك هدف واضح في هذا المجال، سوى أن قطر ستحصل على جزء ولو بسيط من حصّة قائد المجموعة والشريك التنفيذي في مقابل جزء أكبر من حصص استثمارية. وبالتالي سيكون لها كلمة واضحة في ما التزمت به شركة «توتال» تجاه الكيان الإسرائيلي أثناء التفاوض على ترسيم الحدود الجنوبية للبنان. لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، إذ تسعى قطر، أيضاً، إلى أن تكون لاعباً رئيسياً في استخراج وبيع غاز المتوسط. في ندوة أقيمت قبل فترة في كرواتيا، كان هناك نقاش حول خط الغاز الذي يبدأ بخطّ الغاز العربي ويستكمل من خلال المرور من تركيا وصولاً إلى أوروبا.
لكن ما الذي ستحصل عليه «توتال» في المقابل؟ في الواقع، تشير المعلومات إلى أن «توتال» تمارس ضغوطاً من أجل الاستحواذ أولاً على حصّة «نوفاتيك» التي ورثها لبنان، ثم بيعها إلى قطر. فشركة «توتال» لم توقّع حتى اليوم تمديد عقد الاستكشاف، رغم أن الحكومة اللبنانية أقرّته في أيار الماضي في آخر جلساتها بناءً على طلب «توتال». ومدّة العقد تنتهي في 23 تشرين الأول 2022، أي خلال ثمانية أيام. التأخير في التوقيع مثير للاستغراب، إلا إذا كانت «توتال» تبحث عن وسائل ضغط تستخدمها بهدف ما. على أي حال، فإن هذا الأمر ينطوي على طبقة أخرى من المفاوضات التي لم تظهر إلى العلن بعد حول ما ستدفعه «توتال» للكيان الإسرائيلي واحتمال التفاوض مع قطر بشأن هذا الموضوع. ففي النهاية، «توتال» شركة تبغي الربح، الربح السهل والكبير، فلماذا ستدفع من أرباحها طالما أن رغبات دولة، أو شركة أخرى، قد تموّل هذه الكلفة؟
في هذا السياق، يبدو أن هناك نيّة واضحة في لبنان للتعامل مع قطر مباشرة. ففي الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية ميشال عون في مناسبة توقيع الاتفاق (أو التفاهم) على تقاسم حقل الغاز المشترك بين لبنان وفلسطين المحتلّة، قدّم شكراً واضحاً وطويلاً للجانب القطري على مشاركته في إنجاح المفاوضات، لذا يبدو أن لبنان لا يميل نحو الضغوط الفرنسية، بمقدار ما يميل نحو التعامل مع دولة خليجية تكسر الكثير من القيود في علاقاته المتوتّرة مع الدول الخليجية خلال السنوات الماضية.
ثمة مشكلة أساسية في أيّ علاقة سيقوم بها لبنان في هذا الملف: هل سيبيع لبنان حصّته بشكل واضح ويقبض ثمنها، أم أنه يرغب في التنازل عنها لقطر مقابل مساعدات قطرية في استثمارات محددة مثل بناء محطات الكهرباء، والاستثمار في محطات تسييل للغاز، وتمويل مساعدات في مجالات التعليم وبعض المجالات الاجتماعية؟