وضع التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي حداً لأشهر من الانتظار. سنة جديدة تبدأ وسط غموض في الروايات المتعلقة بالساعات الاخيرة التي سبقت التمديد
مع صدور قرار التمديد الثاني لقائد الجيش العماد جان قهوجي، منتصف ليل الاربعاء، بدأ فصل جديد من المشهد السياسي، بعدما صحّت نظرية الذين كانوا يؤكدون ان حسم القرار، تمديداً او تعييناً، سيكون قبل 7 آب، اي موعد احالة رئيس الاركان اللواء وليد سلمان الى التقاعد، وليس الانتظار الى 22 ايلول موعد احالة قهوجي الى التقاعد بحسب ما كان يكرر وزير الدفاع سمير مقبل.
لكن التمديد الثاني لقهوجي، الذي يحكم بموجبه قائدا للجيش تسع سنوات كما فعل قبله الرئيسان ميشال سليمان واميل لحود، لم يطو الكباش السياسي، ولا سيما مع تأكيدات متتالية بارتباط أحداث الساعات الاخيرة بالموقف السعودي من تعزيز الحضور الايراني في لبنان والمنطقة، والذهاب الى هز الحكومة وتوتير الوضع الداخلي. حتى ان اقتراحاً جرى تداوله بالتمديد للواء وليد سلمان وحده وعدم تعيين قائد للجيش او حتى التمديد لقهوجي، في محاولة لزيادة الضغط الداخلي على رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون وتحميله مسؤولية تعطيل رئاسة الجمهورية والفراغ في قيادة الجيش.
وقد طرحت امس مجموعة من الاسئلة بشأن موقف قيادة الجيش مما جرى، وهل عقدت فعلاً صفقة سياسية استدعت موافقة عون على التسوية التي اقترحها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، في الساعات الاخيرة، والمتعلقة بقانون رفع سن التقاعد للعسكريين.
الخلاصات الاولية لما حصل: تمديد ثلاثي، رفض المستقبل وتحفظ قيادة الجيش على قانون رفع سن التقاعد، تصعيد لتكتل التغيير والاصلاح سيترجم بحسب مصادره في الامساك برئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب.
لكن كيف جرت عملية التمديد؟
منذ ان رفض عون فكرة التمديد للقادة الامنيين، كان مقبل ــــ وخلفه الرئيس السابق ميشال سليمان ــــ يكرر ان القرار سيتخذ في ايلول المقبل، لكن جولته الاخيرة اكدت للجميع ان وزير الدفاع يتجه الى اتخاذ قرار سريع، بعدما اعتمدت سياسة تقطيع الوقت مع عون، والترويج لسلسلة مبادرات كان يعرف مقبل ــــ وسليمان الذي قضى تسع سنوات في قيادة الجيش ــــ انها لا يمكن ان تنجح. كان عون يصر على رفض التمديد والمطالبة بالتعيين، لكنه في غمرة المعركة ونزول العونيين الى الشارع وطرح الفدرالية وانكسار الحوار مع الرئيس سعد الحريري، أعطى لمعارضيه فرصة التوحد خلف موقف واحد مهما كانت خياراتهم ومواقفهم منه ومن تعيين العميد شامل روكز.
التمديد قرار اميركي
اقليمي يقضي بابقاء المراكز الامنية على حالها
هكذا بات الرئيسان سعد الحريري ونبيه بري والنائب سليمان فرنجيه في صف واحد مع سليمان ومقبل والنائب وليد جنبلاط الذي عجز عن التوصل الى تسوية التعيينات بعد زيارته السعودية ولقائه الحريري.
رواية أمنية وعسكرية
بالنسبة الى مطلعين امنيين عن كثب على مفاوضات الاسابيع الاخيرة، يختصر التمديد «بقرار اميركي ــــ اقليمي يقضي بابقاء المراكز الامنية على حالها. هذا القرار عمره اشهر، وأُبلغ في الايام الاخيرة، على اعلى المستويات، للمعنيين بالمفاوضات. وتركت ترجمة القرار عملانياً (بالنسبة الى المهل) الى السلطات المحلية، برغم ان الانطباعات في الشهرين الماضيين تأرجحت الى حد الاقتراب من قرار التعيين، ولكن حسم الخيار لمصلحة التمديد على كافة المستويات. وترافق خيار التمديد لقائد الجيش مع رغبة اميركية بالتمديد لمدير المخابرات العميد ادمون فاضل، فيما يفضّل قهوجي تعيين العميد كميل ضاهر. اصر الاميركيون على موقفهم لان فاضل، في رأيهم، يترجم حصوله على المساعدات اللازمة والمعلومات الاستخبارية، بعمليات نوعية وجهد استخباري على عدد من المستويات، ولا سيما في مكافحة الارهاب، بما يؤمن الاستقرار في لبنان.
ابلغ الاميركيون الاقنية السياسية الرسمية رغبتهم في استمرار فاضل، طالبين ايجاد مخرج قانوني وملائم، فكان اللجوء الى الاستدعاء من الاحتياط. علماً ان فاضل يمكنه، وفق هذا الاستدعاء، ان يبقى في مركزه لمدة خمس سنوات، الا اذا اقر قانون رفع سن التقاعد قبل 20 ايلول، اي قبل استدعائه من الاحتياط، مع كل التعديلات التي قد تطرأ عليه.
اما عن المبادرة التي طرحها ابراهيم، فتحدثت المصادر عن مبادرة شخصية لا علاقة للمؤسسات الامنية بها، علما ان المدير العام للأمن العام سيكون من ضمن الذين يشملهم رفع سن التقاعد فيستفيد من تمديد خدمته العسكرية سنوات اضافية.
تروي المصادر العسكرية المطلعة لـ «الاخبار» ما جرى في الساعات الأخيرة «بأن عون هو من طالب بسلة واحدة بالنسبة الى المراكز المعنية في الجيش، ما دفع مقبل الى اتخاذ هذا القرار تلبية لرغبته، فقدم مجموعة من الاسماء للمراكز المقترحة. وبما انه لم يتم الاتفاق على مرشح واحد لكل من المراكز الثلاثة، فان مقبل اعتمد خيار السلة الواحدة في التمديد لقهوجي وسلمان واللواء محمد خير، حتى لا يبقى الفراغ في الجيش».
وتوضح المصادر أن التمديد لقائد الجيش سنة واحدة ــــ برغم التمديد سنتين للمدير العام لقوى الامن الداخلي ــــ مرتبط بالتمديد سنة واحدة للواء الاركان، لانه بحسب قانون الدفاع يبلغ سلمان مع التمديد الثاني 43 سنة خدمة، وهي المدة القانونية لرتبة لواء، فيما يحق لقهوجي مع التمديد الثاني سنة ثانية كي يكمل خدمة 44 سنة، لكن وزير الدفاع ارتأى التمديد لسنة واحدة.
وتنفي المصادر ان يكون قهوجي قد اصر على التمديد له سنة اضافية، وتقول ان قهوجي لم يتدخل في التمديد ولا في مدته، وتؤكد ان قيادة الجيش لا ترى ان ما حصل «انتصار لفريق على آخر، فما حصل زاد من المسؤولية وضاعف من مهمات القيادة الحالية».
ترافق التمديد مع التسوية التي طرحها ابراهيم وسط كلام عن موافقة قيادة الجيش عليها، لكن المصادر العسكرية ترد بأن «الجيش سبق ان تحفّظ على القانون ولا يزال يتحفظ، ولا سيما على توقيته. فالقانون سيصيب الجيش بالترهل والتخمة، ولن يحال بموجبه اي عميد الى التقاعد لمدة ثلاثة اعوام». وتشرح ان «القانون ممتاز لكن يجب تطبيقه بعد ثلاثة اعوام من الان، اي بعد ان تنتظم الهيكلية الجديدة ووضع العمداء وعددهم»، واذ تشير الى ان عون كان اول من رفض الأمر حين طرح للمرة الاولى، توضح ان القانون يحتاج الى مراجعة في عدد من مواده، وخصوصا ما يمكن ان يتعارض مع قانون الحوافز المالية الذي اقر سابقا، ولا سيما لجهة تعويضات نهاية الخدمة. ولفتت الى ان اي قانون يحتاج الى وقت لاقراره في اللجان النيابية، فقانون الحوافز بدأالعمل به حين كان سليمان قائدا للجيش، ولم يقر الا حين اصبح رئيسا للجمهورية».
من اليرزة إلى الرابية
في المقابل، تقول رواية التكتل ان عون رفض سلسلة من العروض التي تقدم بها مقبل وغيره تتعلق «بتفصيل قوانين واستحداث قرارات على قياس اشخاص، لم يكن عون ليقبل بها لا هو ولا العميد شامل روكز، لجهة الاستدعاء من الاحتياط او حتى اعطاء رتبة لواء لضابط ماروني وترفيع روكز، وغيرها من الاقتراحات التي اخمدت في مهدها». وتؤكد مصادر بارزة في التكتل ان عون لم يقدم اي مبادرة خطية، «لأن موقفه من التعيين معروف ولم يتراجع عنه».
وبحسب مصادر سياسية مطلعة، فان مبادرة عون الوحيدة كانت الاصرار على ضرورة استكمال تعيين اعضاء المجلس العسكري بمن فيهم قائد الجيش. الامر الذي فتح باب الاتصالات المحدودة من اجل استمزاج الاراء مجددا حول امكان التوافق على مرشح لقيادة الجيش، الى ان باءت الاتصالات مجددا بالفشل.
مصادر التيار: المؤيدون
للتمديد استغلوا مبادرة عباس ابراهيم لخداعنا
جاء تحرك ابراهيم في الوقت الضائع لاعادة تعويم القانون المتعلق برفع سن التقاعد للضباط. وهنا ايضا ثمة روايتان للمبادرة. الاولى تقول ان ابراهيم تحدث عن اقتراح حظي بموافقة الجهات المعنية وان تحركه قائم على ايجاد مخرج للأزمة، يوازن بين الاتجاه الى التمديد واحياء القانون الذي يسمح بابقاء روكز وجميع الضباط في الخدمة. حركة ابرهيم «اوحت» للبعض ان ثمة موافقة على تحركه ما سمح لعون باعطاء فرصة ايجابية للمبادرة، وسمح في المقابل بصدور قرار التمديد الثلاثي، ولا سيما ان التمديد جرى لسنة واحدة ما يؤشر الى انه يتلازم مع القانون الموجود في مجلس النواب. فاذا عدل القانون تبقى لقهوجي سنة واحدة في الخدمة العسكرية، وهي السنة التي مددت له بالامس، وهذا يعطي بالنسبة الى عون «شرعية وقانونية للتمديدين الاول والثاني».
وترافقت هذه الاجواء مع ترطيب الاجواء بين عين التينة والرابية، بعد رسالة بري الحادة لعون، من خلال كلام نواب التكتل بعد زيارتهم عين التينة ما اوحى انه يمكن لعون ان يقفز فوق تمسكه بتشريع الضرورة، فيدوّر الزوايا، ويقبل فتح المجلس النيابي من اجل قانون رفع سن التقاعد.
اما الرواية الثانية فتقول، على لسان مصادر بارزة، ان عون اصر على التعيين ولم يربط اي مبادرة بموافقته على التمديد، «وعون تلقى مبادرة ابراهيم ودرسها وبحث فيها، ولم يرفضها بل اعطاها فرصة لتنجح، لكن سرعة التمديد اثبتت ان الحركة استباقية وعبارة عن خديعة، لتغطيات المخالفات الكثيرة، وهدفها دفن مبادرة ابراهيم».
وعما اذا كان التكتل قد خُدع بالمبادرة؟ تجيب: «ابراهيم لم يشارك في غشنا، ولم يخدعنا ولم نُخدع، بل هو فتح كوة قانونية، فباركنا مسعاه ولم نتحفظ ولم نقبل، ولا ركضنا خلف الاقتراح ولم نلهث وراءه».
قيادة الجيش لا تعتبر ما حصل انتصاراً لفريق على آخر (هيثم الموسوي)
الخدعة، بحسب هذه المصادر، «جاءت من الذين استفادوا من الاجواء الايجابية التي اشاعها تحرك ابراهيم، حين كنا نفتش عن مخارج لا تعرقل عمل الجيش وتبقي مواقفنا موحدة في ما يتعلق بتشريع الضرورة، فعمدوا الى حركة استباقية اوحت بأن عون غض النظر عن التمديد لقهوجي مقابل قانون رفع سن التقاعد، وقاموا بخدعة ليلية بقرار التمديد، قبل ان يتبين ان اقتراح ابراهيم قوبل برفض السنيورة وقائد الجيش والرئيس بري».
اصرار عون على موقفه، وعدم قبوله أي تسوية، سيترجمان، بحسب هذه المصادر، من خلال التمسك بثلاثية رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، فلا يجري تجاوزه في اي منها.
وضع روكز
لا شك ان اسئلة كثيرة تطرح بشأن مصير قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز وسط كل ما جرى، وخصوصا في ظل القانون المعلق الذي تبلغت معظم الاوساط رفض المستقبل له، وخصوصا الرئيس فؤاد السنيورة، الذي يعارضه كلياً نظرا الى كلفته المالية العالية، ورفض قيادات سياسية له، اذ كيف يمكن الا تقر سلسلة الرتب والرواتب وتقر التعويضات المرتفعة للضباط، وفق القانون الجديد.
اذا لم يقر القانون الجديد خلال الاسابيع المقبلة، فان روكز سيحال الى التقاعد في تشرين الاول المقبل. اما اذا اقر، فسيمدد له ثلاثة اعوام، لكن من غير المضمون ان تبقى مهماته على حالها وقد تتغير. لان رتبة روكز وعمره لم يعودا ملائمين كي يبقى قائدا لفوج المغاوير، برغم ان لا قرار متخذا بعد في هذا الشأن في انتظار بت وضع القانون.