نحو الساعة 11 من ليل أول من أمس، خرج عناصر مكافحة الشغب من خلف الأسلاك، ركضوا خلفهم من دون أي مبرر، رافعين العصي وصارخين بهمجية بابشع واقذع العبارات ومتوعدين: «بدنا
نعمل ونسوّي فيكن … يا اولاد …»
ميدان رياض الصلح يراكم يومياً منذ الثاني والعشرين من آب، مشاهد القمع الوحشية التي تمارسها القوى الأمنية، والاستخدام المفرط للعنف في خرق فاضح للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، التي تحد من استخدام القوة ضمن أوضاع الضرورة القصوى. وتثبت روايات الجرحى والمعتقلين، ان القوى الامنية لم تمارس ضبط النفس، ولم تتصرف بالتناسب مع جسامة المخالفة والغاية المشروعة المراد تحقيقها، لا بل انها لاحقت المتظاهرين الى منازلهم، والى وسائل النقل العام التي استخدموها للفرار. لم يستخدم حراس السلطة القنابل المسيلة للدموع ولا خراطيم المياه، فالهدف كان واضحاً: اضربوهم واعتقلوهم واسحبوهم من الشوارع وهم ينزفون. قالها أحد العناصر بوقاحة لأحد المتظاهرين وهو يبرحه ضرباً: «هذه هي حقوقك».
المشهد في الساحة كان ميليشيوياً، فشبيحة النظام «فلتوا»، والضحايا لم يتمكنوا من الهرب. وهذه روايات خمسة من الضحايا:
أيمن مروة، 32 عاماً، أحد منظمي حراك «بدنا نحاسب»
كان هناك مناوشات صغيرة بين بعض المتظاهرين والقوى الأمنية فأقمنا حاجزاً بينهم وتراجعت القوى الأمنية الى الخلف بعد التنسيق مع أحد الضباط. فجأة ومن دون أن يكون هناك أي شيء هجموا. الناس ركضوا من دون أن يعرفوا ما الذي يحصل. كان صراخ إحدى الفتيات يُسمع في الساحة «اتركونا»! توجهت الى هناك وكان عدد هائل من أفراد القوى الأمنية يحاصر 4 أو 5 متظاهرين ويبرحونهم بالضرب حتى فقدت الفتاة (نور عزالدين) وعيها.
بقي أيمن ينزف من
الساعة الحادية عشرة حتى الواحدة ليلاً
نقلناها سريعا الى سيارة الإسعاف. سمعت صراخ أحد الشباب الذين تحلّق حوله عشرات العناصر، توجهت اليهم وقلت لهم انني من المنظمين، فطلبوا مني ان اتراجع وإلا فسألقى المصير نفسه. بعد المفاوضات سمحوا لي بإخراج الشاب من الساحة، ركض الشاب خوفاً وبقيت وحيداً، فهجم أحدهم وصفعني، وفجأة أصبح هناك أكثر من 30 عنصراً حولي. أوّل 5 ضربات بالعصي كانت على رأسي فسقطت على الأرض وبدأ الركل على رأسي وضهري. استمروا على هذه الحال لمدة 5 دقائق، الى حين حضر الضابط وطلب مني أن أرحل. طلبت منه ان يمشي معي كي لا يتعرضوا لي، لكنه رفض. حالما مشيت ركض 7 عناصر من مكافحة الشغب والدرك باتجاهي وبدأوا بضربي، فحضر الضابط مجددا وطلب مني أن ارحل ومشى معي حتى جامع الأمين. كانت الدماء تغطي وجهي، إلا انّ هذا لم يردع أحد العناصر عن أن يصرخ «لوين رايح، رح تضل معنا الليلة». وضع الأصفاد في يدي، وطلبوا مني أن أرجع وحيداً من جانب مسجد الأمين الى شارع المصارف. «ما في دركي ما خبّطني. يجو يضربوني بالعصي يخلعوني كفوف، ما حكيت شي».
نُقل أيمن الى فصيلة طريق الشام وهو ينزف. لم تنفع طلباته بنقله الى المستشفى. بقي ينزف من الساعة الحادية عشرة حتى الواحدة ليلاً. قال لهم إنه يشعر بدوار ولم يعد بإمكانه أن يرى جيداً، لكنهم أصروا على التحقيق معه وأخذ إفادته. دخل الصليب الأحمر بعد ساعات لتضميد جراحه وأخبروا القوى الأمنية انه يجب نقله فوراً الى المستشفى خوفاً من نزيف داخلي في رأسه، لكنهم رفضوا قبل الانتهاء من التحقيق معه!
تمزّقت عضلات أيمن نتيجة الضرب، وقُطّب رأسه وجُرحت عينه.
فيديل شقير، 21 عاماً، طالب إدارة أعمال، أحد منظمي حراك بدنا نحاسب
كان هناك فتاة تصرخ على الأرض في منتصف الساحة وأحد العناصر يضربها بالعصا على قدميها. حاولت أن أساعدها فما كان من العنصر إلّا أن أدار عصاه ووجه الضربة مباشرة على عيني فوقعت أرضاً على الفور. بعد ذلك لم أعد أعرف من أين تأتي الضربات على رأسي وظهري. عندما رأوا عيني تنزف تراجعوا ونقلني المتظاهرون إلى مستشفى الجامعة الأميركية.
أُجريت عملية لعين فيديل وتطلّب الأمر 3 قطب داخلية له. يحتاج إبن الواحدة والعشرون عاما إلى عشرة أيام ليلتئم جرح عينه، وليتبيّن إذا كان نظره سيعود سليماً او لا، نتيجة عنف السلطة.
محمد غبريسي: 21 عاماً، طالب سينما
كان مشهداً مهولاً. حاصرنا نحو 30 عنصراً من مكافحة الشغب والدرك وانهالوا علينا بالضرب على الرأس والقدمين. قلنا لهم أنّ هناك جريحة بيننا لكنّ ذلك لم يردعهم على الإطلاق. نقلنا الجريحة الى سيارة الإسعاف وحاولنا أن نخرج من الساحة فلحقني 15 عنصراً وانهالوا عليّ بالضرب. تمكنت من الهروب منهم وطوال المسافة من ساحة رياض الصلح حتى السينما القديمة كان العناصر يضربونني بالعصي. هناك إصابات وجروح في وجهي، إضافة الى رضّات في كل أنحاء جسدي.
مشاهدات مسعفة في
ساحة رياض الصلح
شعرنا بأننا في ساحة حرب! تجمّع كل 20 عنصراً على متظاهر ومتظاهرة وضربوهم على رؤوسهم. كان هناك شاب يرتدي قميصا أبيض، ركض باتجاه سيارة الإسعاف ليهرب منهم، لكنهم تمكنوا من الإحاطة به. إمتلاً وجهه بالدماء وهو يصرخ «انا بعبدكن بس تركوني»! لم يتوقفوا عن ضربه ومنعونا من التدخل. كان الضرب يرمي الى الحاق الأذى بالمتظاهرين لا إبعادهم، لأنهم كانوا يلحقون بالذين يهربون ويحاولون أن يعتقلوا الجميع ومنعهم من الوصول الى سيارات الإسعاف.
ليل السبت كانوا يطلقون رصاصاً مطاطياً عن قرب باتجاه المتظاهرين، وعندما يقعون على الأرض «يضلن يقوصوا عليهن!!». كان هناك اشخاص تلقّوا 7 رصاصات في أجسادهم.
تقول المسعفة «لم يعرف المتظاهرون إلى أين يهربون، كان المشهد مرعباً. البعض اختبأ في الحفرة التي فيها آثار في ساحة الشهداء، لكنهم لحقوا بهم الى هناك».