IMLebanon

إرادة داخلية وخارجية بوجوب أن يبقى التفاهم السياسي يضج بالحياة

إرادة داخلية وخارجية بوجوب أن يبقى التفاهم السياسي يضج بالحياة

نواب استخدموا مناقشة الموازنة للقنص السياسي والرسائل الانتخابية وصمتوا في التشريع

جهات دولية حضت  على إقرار الموازنة ووضع الضرائب  لتجنيب انزلاق لبنان نحو المهوار

 

يعرف القاصي والداني ان نقل وقائع جلسة مناقشة الموازنة العامة، على الهواء مباشرة، شكّل فرصة للنواب لكي يطلوا على ناخبيهم الذين كادوا ينسون ملامح وجوههم كونهم لا يحتكون بهم عن قرب الا في المواسم الانتخابية، وفي حالة نادرة عندما تكون هناك فاجعة أو حفل زفاف يكون حضوره من الضرورات كرصيد يُصرف في الاستحقاق الانتخابي.

وإذا كان البعض من النواب قد استخدم النقل المباشر للجلسة متراساً للقنص السياسي والرسائل الانتخابية، فإن هذا البعض لم يحرّك ساكناً بعد التوقف عن النقل المباشر، وكان شبه غائب خلال مناقشة بنود الموازنة، وكأن الأمر لا يعنيه حيث لم يتلفظ بكلمة واحدة، وهو الذي كان قبل يوم واحد قد اعتلى المنبر وهدد وتوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور، وصال وجال في استخدام المفردات الخطابية التي تدغدغ مشاعر الناخبين وهو أقسم بالحفاظ على مالية الدولة ومنع أي أعباء إضافية على عامة النّاس. فكل هذا تبخر وتلاشى في جلسة مناقشة الموازنة والموازنات الملحقة حيث  غض الطرف عن تطيير الوفر الذي كانت قد اقترحته لجنة المال والموازنة، كما انه تجاهل مسألة استئجار مبنى في وسط بيروت لمنظمة دولية بـ15 مليار ليرة سنويا يُدفع المبلغ بالكامل من خزينة الدولة التي تئن وتعن، وهو ما حدا بالنائب حسن فضل الله إلى القول «ان مداولات أربعة أشهر في لجنة المال ذهبت ادراج الرياح بفعل التنفيعات والمحاصصة».

وقد عبّر الرئيس بري خير تعبير عن الإرباك الواضح الذي ساد خلال مناقشة البنود المالية حيث طارت نتيجة ذلك أموال وحطت أخرى واختلط الحابل بالنابل، إذ وصف ذلك بـ«الترقيعات»، داعياً  إلى جدية أكثر في مناقشة موازنة الـ2018.

وما دامت الموازنة قد أقرّت ووضعت مالية الدولة على المسار الصحيح على حدّ تعبير رئيس الحكومة سعد الحريري بعد انفضاض الجلسة بالأمس، فإن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: هل سيقر المجلس الحالي موازنة العام 2018، أم ان حليمة ستعود إلى عادتها القديمة بحيث تعود الحكومة للصرف على القاعدة الاثني عشرية، خصوصا وأن هناك نصا دستوريا يلزم الحكومة بتقديم الموازنة إلى المجلس ومناقشتها واقرارها في مهلة تنتهي في 31 كانون الأول المقبل؟

ليس خافيا على أحد، ان السادة النواب ينصرفون إلى الإعداد لمعاركهم الانتخابية قبل أشهر من موعد الانتخابات، وما دامت هذه الانتخابات ستجري في موعدها مطلع أيّار المقبل بعد تأكيد صارم من قبل أهل الحكم بأن زمن التمديد قد ولّى إلى غير رجعة، لذلك ستكون هناك صعوبة في مناقشة الموازنة في هذه الفترة الا في حال نزل عقل الرحمن على القوى السياسية واتفقوا على إخراج قطع الحساب، في مهلة الشهر التي أعطيت، من عنق الزجاجة، كونه سيكون هناك استحالة في إقرار الموازنة المقبلة ما لم يكن قد تمّ التوصّل إلى تسوية حول قطع الحساب، لأنه من غير الممكن إقرار موازنة من دون ان يسبقها قطع حساب، ويستحيل ان يقطع هذا الأمر من دون تسوية.

وفي اعتقاد مصادر نيابية ان الموازنة العامة للعام المقبل ستقر قبل نهاية العام، وهي تبني حسمها هذا الأمر على استمرار التوافق السياسي القائم حاليا، والذي سيبقى يضج بالحياة إلى حين موعد الانتخابات المقبلة، وربما بعد ذلك، نتيجة وجود إرادة داخلية وخارجية بالحفاظ على هذا التفاهم والنأي به عن أية مشكلة وحمايته برموش العين، كما أن هناك ظرفا إضافيا ملائما لإقرار السلسلة يتمثل في ان مناقشة الموازنة ستصادف في عز الموسم الانتخابي، وسيكون ذلك فرصة للنواب لاستخدام هذا الاستحقاق في معركتهم الانتخابية.

وتلفت المصادر الى ان لبنان تبلغ من جهات خارجية على أكثر من مستوى بأن الوضع المالي والنقدي والاقتصادي في لبنان لم يعد مقبولاً، وأن هذا الأمر – إذا استمر على هذا المنوال – سيضع البلد على شفير الهاوية، ولتجنب الانزلاق باتجاه المهوار لا بدّ من اتخاذ خطوات إصلاحية تبدأ بتجاوز المعطيات التي تحول دون إقرار الموازنة ولا تنتهي بوضع رزمة من الضرائب التي «لا تقتل الذيب ولا تفني الغنم». وهذه الرسائل فهمها جيداً اولياء الأمر ولذلك فإن العمل سينطلق بشكل جدي لبلوغ هدف إقرار الموازنة المقبلة في موعدها الدستوري، وقد لفت وزير المال علي حسن خليل إلى هذه الناحية، في ختام مناقشة الموازنة، بتأكيده على أنه سيتشاور ورئيس الحكومة في إمكانية البدء بتحديد موعد لجلسات مجلس الوزراء لمناقشة موازنة الـ2018 بدءاً من الأسبوع المقبل، وقد تتحدّد مواعيد لذلك أيام الثلاثاء والاربعاء والخميس ما لم يطرأ أي طارئ يحول دون ذلك.