عادت في أصعب الظروف التي يعيشها الوطن من الفراغ الرئاسي والمؤسساتي في الدولة، والإنهيار المالي والاقتصادي الناتج عن سقوط المعايير الأخلاقية والقِيَمية في لحظات مِفصلية عاشها اللبنانيون بشكل نظامي ومنتظم منذ بداية العهد الرئاسي الأخير، مروراً بثورة السابع عشر من تشرين الأول ٢٠١٩، وبعدها التفجير الإرهابي لمرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠، وتعطيل الأهداف المشروعة للشعب اللبناني وأبسط مطالبه الحياتية، وصولاً إلى تكبيل العدالة وشلّ القضاء وسطو المصارف اللبنانية على ودائع اللبنانيين بعد أن كنا نفاخر ونفتخر بها أمام أنفسنا والعالم، وانهيار الليرة اللبنانية التي كانت بألف خير إلى حدود غير مسبوقة وغير منطقية في فترة قياسية نسبة إلى الدولار الأميركي… إنّها الروح الآتية والمتجدّدة في التاسع من حزيران من كل عام لتعيد الأمل بمشروع الدولة الحامية لأبنائها ومؤسساتها الوطنية.. وإنّه العيد الثالث والستين بعد المائة لمؤسسة عريقة تشكّلت نواتها النظامية الأولى في بروتوكول العام ١٨٦١.
إنّها قوى الأمن الداخلي التي تعمل وتقدّم التضحيات وتخوض أصعب المهام في حفظ الأمن ومحاربة الجريمة وتوفير الأمان مع باقي الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني من ضباط وعناصر آلت على نفسها حفظ حياة الناس أفراداً وعائلات ومؤسسات إدارية وعدلية ودستورية دون تفرقة أو تمييز بحسب الانتماء الطائفي أو المناطقي، لأنه في عقيدة هذه المؤسسة الوطنية وباقي المؤسسات الأمنية الإنتماء هو فقط إلى لبنان، وهذه هي العقيدة التي يجب العمل بها دائماً وتعزيزها ليتقبّلها عامة المواطنين والسياسيون وجهابذة الطوائف على حدٍّ سواء. ومهما كبرت المهام والصعاب فإن هذه المؤسسات وقوى الأمن الداخلي على وجه الخصوص على أتم الجهوزية للعمل بكل قواها وبما أتيح لها من إمكانات متطورة وتجهيزات تمكنت عبرها من محاصرة الجرائم المنظمة، والجرائم الإرهابية، وضرب البنية التجسسيّة للعدو الإسرائيلي، وبذل الروح والجهد وكل المستطاع في تطوير القدرات العملانية لحماية الشعب والوطن.
في هذه المناسبة الكبيرة، أصدر المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان «الأمر العام» تحت عنوان: «من دون أمنٍ لا تُحفظ أوطان». وقال فيه: «إنّ ثبات الدولة، أي دولة، أساسه الأمن في كل ربوعها، به تدوم وتستقر ومن دونه لا يمكن أن تزدهر». وتوجه اللواء عثمان إلى ضباط هذه المؤسسة وعناصرها الذين باتت رواتبهم ضئيلة جداً، وأكّد لهم على أهمية حفظ كرامة مؤسسة قوى الأمن الداخلي، وأنهم يستحقون بكل جدارة توفير احتياجاتهم ومتطلبات عائلاتهم بعدما قاموا بأعمال وإنجازات استثنائية في ظل ظروف استثنائية حافظوا فيها على مستوى عالٍ من الخدمة العامة والتفاني لراحة وأمن المواطنين، وذلك بالرغم من التدهور المعيشي الذي أصاب كافة العاملين في مختلف القطاعات في لبنان ولا سيما في القطاع العام.
في هذه الأوقات العصيبة، لا تزال الحرب الإسرائيلية الهمجية على الشعب الفلسطيني متواصلة منذ اكثر من ثمانية أشهر، ولا تزال جبهة الجنوب اللبناني تنزف في إسنادها لغزّة في مواجهة الكيان الصهيوني ودولة الاحتلال للأراضي الفلسطينية والعربية واللبنانية. وهي فترة صعبة جداً ومصيرية على الشعبين اللبناني والفلسطيني في ظل العجز الدولي والأممي عن وقف إرهاب وجرائم العدو الإسرائيلي ضد المدنيين والنساء والاطفال، وهنا تكبر المهمات الصعبة لحفظ الوطن. كُلُّنا مطالبون بحماية الوطن ومقاومة المحتل ومواجهة العبث بأمن الداخل، وفي طليعتنا مؤسسة قوى الأمن الداخلي. تحية إلى مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، تحية إلى ضباط وعناصر هذه المؤسسة الوطنية العريقة، وتحية إلى كل من يواصل العطاء والتضحيات لحماية اللبنانيين وحفظ الوطن، وكل عامٍ وأنتم بخير.