بعيداً من نظريات المؤامرة، لا حافز مباشراً أرغَم الرئيس الأميركي باراك أوباما على إنجاز الاتّفاق النووي مع إيران، بكلّ تأويلاته وحاملات أوجهه… بل هو مسارٌ ثابت وممنهَج ومرحلي، يتوّج دراسات أميركية استراتيجية، تعكس الوجهة المستقبلية للشرق الأوسط، خلال عقدَين آتيين على الأقلّ.
في التوازن الجيوسياسي الإقليمي، لا يشغل الوزن الاقتصادي الإيراني، مقداراً مكفولاً ممّا تمثله مداخيل الخليج العربي، لمصلحة واشنطن… ولا تبدو طهران جاذباً استثمارياً مغرياً للشركات الأميركية الكبيرة، بمقدار ما تمثله اسطنبول مثلاً، في حين أنّ عواصم الخليج العربي، تتناغم إلى الأقصى مع المصالح الاستثمارية الاميركية بلا تردّد… أقلّه حتى اللحظة، ومِن دون أيّ مؤشّرات مخالفة في المدى القريب.
أذاً ما دافع واشنطن لإبرام الاتفاق النووي مع طهران؟
الإجابة المباشرة تعبر حتماً في توازنات مطلوبة في الشرق الأوسط، بين القوى المتجاورة سنّياً، من الخليج العربي، إلى تركيا ومصر، في مقابل المكوّن الإيراني الشيعي. وهذه على ظاهريتها، لا تكفي لاتّفاق من العيار المنجَز، وإنْ كانت مفهومةً لقيادة المنطقة في إرثها الثقيل والمفتعَل بين تشَدّد الإرهاب، برداء سنّي، وردود استباقية برداء شيعي .
في المنظار الاستراتيجي الأميركي، تبدو الورقة العربية الخليجية مكفولة، بنَفطِها واستثماراتها، في اتّجاهين: الاتّحاد الأوروبّي «الملغوم» ضِمناً بحصان طروادة البريطاني، والصين الصاعدة القادرة وحدها على هزّ العرش الأميركي، اقتصادياً في البَدء، وعسكرياً في وقتٍ لاحق.
في التوَجّه الأوّل، تسمح التوَجّهات الأميركية بصفقات ما دون المتوسط للاتّحاد الأوروبي، مع دول الخليج، معزّزاً بالهاجس الإيراني وتوتيره الكافي لتعزيز رواج الأسلحة النوعية الحديثة.
وفي التوجّه الثاني، يكفي استيعاب إيران الغنية بالنفط والغاز، وبالموقع الجغرافي المميّز، لقَطعِ طريق بكين على الدخول المريح إلى الإقليم، أي إغلاق شريان اقتصادي واعد جداً، في التوَجّه الصيني نحو المنطقة، مترجماً في النفط والغاز الوفيرين في إيران.
وهذه الأرجحية قد تحمل وحدها التبرير الفعلي لسياسة واشنطن المستجدّة مع طهران، بعيداً من تجاذبات الجمهوريين ومساجلاتهم مع الديموقراطيين، بخاصة اوباما، في ابعاد الاتفاق النووي.
الصين التي كانت مكّنَت حضورَها مع السودان، كمزرعةٍ خلفية لحاجاتها الغذائية، في ظلّ غَضّ طرف أميركي، وسط الصراع القديم مع تركة الاتّحاد السوفياتي، باتت اليوم على تماس مع مصالح واشنطن المستقبلية، فالنفط العربي شريان للغرب القريب وللشرق الأقصى، فيما قدرات الولايات المتحدة الذاتية مع النفط الكندي، تحوّلان الذهب الأسود الأوسطي إلى ورقة مساومة تستخدمها واشنطن في مفصلين:
إيران في الحصّة الأميركية، تبقي بكين تحت رحمة النفط.
النفط لبكين عبر سياسة واشنطن، يعزّز الغريم الهندي.
… مع تظَهُّر جوانب من خلفيات السعي الأميركي إلى مواجهات صامتة مع الصين، تبدو إيران الورقة الأميركية المستورة، تضاف إلى الورقة الخليجية المعلنة… وما بين الورقتين، هامش مواجهات ومناورات إقليمية لا تقتل ذئب إيران، ولا تفني نعاجَ الخليج… والعبرة في اجتماع الدوحة لمجلس التعاون، مع الوزير الأميركي جون كيري.