انتظر المراقبون ستة أيام، بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، ليسمعوا أول ردّ فعل أو موقف من القوى المتشددة في إيران حول الاتفاقية النووية، وجاء هذا الموقف من قائد الحرس الثوري الجنرال محمّد علي جعفري، الذي قال «بعض أجزاء الاتفاق النووي تجاوز بوضوح «الخطوط الحمراء» للجمهورية الإسلامية، خاصة ما يتعلق منها بقدرات إيران العسكرية، وهذا غير مقبول ولن نقبله أبداً».
وفي إطار ردود فعل المتشددين الإيرانيين، كتب حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المرتبطة بشدة بخامنئي «حتى بمجرد النظر إلى الاتفاق يمكنك أن ترى أن بعض الخطوط الحمراء الأساسية للجمهورية الإسلامية لم يتم الحفاظ عليها»، وقال أحمد بخشايش عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان «أن المفاوضات النووية انحرفت كثيراً إلى المجال العسكري، ولم يكن مفترضاً أن يتفاوض الفريق الإيراني على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية الإيرانية..».
يبدو أن قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري افتتح ردود الفعل، وهي لا شك ستتوالى في الأيام المقبلة، ومن الممكن أن نسمع آراء ستظهر في طهران أكثر تشدداً مما أعلنه جعفري، وهذا شيء طبيعي، ففي إيران توجهات عديدة، وهناك انقسام واضح ما بين معتدلين ومتطرّفين، فالفريق المتطرّف قاد البلاد خلال مرحلة حكم الرئيس أحمدي نجاد، ومن ثم انهزم في الانتخابات الأخيرة التي أوصلت الشيخ حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية ممثلاً لفريق الاعتدال.
السؤال الجوهري هو: هل هناك تعارض ما بين موقف المتشددين من حرس ثوري ورجال دين وبين المرشد الأعلى الخامنئي؟
يُجيب المقرّبون من طهران أن الإمام علي الخامنئي كان يتابع المفاوضات في جميع مراحلها، ويتابع ويستفسر عن أدق التفاصيل، وأن المفاوض الإيراني لم يوافق على أي بند من بنود الاتفاقية إلا بعد حصوله على موافقة الخامنئي وروحاني، وأن الخامنئي لن يترك الفريق المفاوض بعد توقيع الاتفاقية عُرضة لتهجمات الفريق المتطرّف، كما أن المتشددين لا يمكن أن يخرجوا على طاعة المرشد فهو «القائد والولي الفقيه»، فالموافقة النهائية على كامل الاتفاقية جاءت من الخامنئي، فلا الفريق المفاوض ولا الرئيس روحاني ولا حتى كل فريق الاعتدال يستطيع أن يتحمّل تداعيات ونتائج هكذا اتفاقية.
ويتابع المصدر قوله «صحيح أن الاتفاقية حققت إنجازاً هاماً وكبيراً ومطلوباً، وهو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران منذ أكثر من إثنتي عشر عاماً، ولكن في المقابل هناك شروط والتزامات على إيران، بل هناك قيود متشددة، وبنود مسّت السيادة الوطنية لإيران، وهذه الشروط ستحدّ من اندفاعة المتشددين.
الإيرانيون لديهم تراث كبير في «البراغماتية» السياسية، فهم يُدركون، سواء أكانوا من فريق الاعتدال أم من الفريق المتطرّف، بأن عليهم أن يأخذوا الاتفاقية بمجملها، بسلبياتها وإيجابياتها، ولا خيار آخر أمامهم، فهناك دول كبرى أجمعت كلها على فرض هذه القيود على إيران، بما فيها روسيا والصين.
ولذلك بعدما قال الخامنئي كلمته، لا توجد توقعات تُشير إلى وجود معارضة شديدة من المتشددين في إيران لهذه الاتفاقية، فالغالبية اختارت شرب الكأس الأقل مرارة..