Site icon IMLebanon

الاتفاق النووي نقطة انطلاق نحو الاستقرار أم بداية خلاف على تقاسم النفوذ؟

6 آب 2015

التقى وزيرا الخارجية الأميركي والايراني على القول إن الاتفاق النووي سيجعل الاستقرار يحلّ في المنطقة، ولكن من دون أن يحددا موعد ذلك وكيف. إلا أن اللافت هو وعد أميركا دول الخليج بتزويدها أسلحة متطورة تبديداً لمخاوفها من ايران ولتمكينها من الدفاع عن نفسها. فاذا كان الاستقرار سيحل في المنطقة فلماذا هذا السلاح، ولماذا تخلّت ايران عن السلاح النووي إذا كانت المنطقة مقبلة على حروب ولا بدّ تالياً من إقامة توازن رعب أقله مع اسرائيل؟

الواقع ان ملامح إحلال الاستقرار في المنطقة تظهر عندما تساعد ايران فعلاً لا قولاً على انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، ولا تستمر في ممارسة سياسة تعطيل عمل المؤسسات وفتح أبواب الفراغ الشامل عليها ما يزيد حدّة الانقسامات السياسية والحزبية والمذهبية فتسقط الوحدة الوطنية التي تشكل أمضى سلاح لمكافحة الارهاب. فهل تقدم ايران على خطوة إيجابية في لبنان ترجمة للكلام على أن الاتفاق النووي سيحل الاستقرار في المنطقة؟ وهل هي مستعدة لأن تساعد على حلّ الأزمة في سوريا وفي اليمن والعراق بالتوصل الى تشكيل حكومات وحدة وطنية تتمثل فيها كل القوى السياسية الأساسية لتكون قادرة على مكافحة الارهاب الذي لا نجاح في مكافحته ولا انتصار عليه إلا بتحقيق وحدة داخلية قويّة في كل دولة. ومن دون هذه الوحدة ستبقى بيئات حاضنة لخلايا الارهاب، ليس حباً بها بل نكاية بمن يشعرون بالظلم والقهر والفقر.

وشرط قيام دولة قويّة في لبنان يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، وبالدعوة الى اجراء انتخابات نيابية على أساس قانون عادل ومتوازن، ينبثق منها مجلس نيابي يمثل شتى فئات الشعب واجياله تمثيلاً صحيحاً، وتشكيل حكومة تتمثل فيها كل القوى السياسية الأساسية في البلاد لتكون قادرة على اتخاذ القرارات المهمة وإعادة تكوين السلطة، وإكمال تنفيذ ما تبقى من اتفاق الطائف واعادة النظر في بعض بنوده الملتبسة فلا يظل الخلاف قائماً على تفسيرها فيحول ذلك دون تطبيقها، وتكون سبباً لنشوء أزمات يستعصي حلها، لا بل تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية ودون تشكيل حكومات إلا بعد أشهر عدة، ودون إجراء انتخابات نيابية أيضاً لخلاف على قانون جديد يوضع لكل انتخاب، ولا يكون في البلاد قانون واحد يعتمد في كل انتخاب ويكون قياسه على قياس مصالح الوطن وليس على قياس أفراد.

إن مثل هذه الحكومة تستطيع ان تضع استراتيجية دفاعية تفيد من قدرات المقاومة التي يقودها “حزب الله” وذلك إما بوضع سلاحها في كنف الدولة، أو تكون الأمرة للدولة، أو أن تستعين الدولة بهذا السلاح عندما ترى ذلك ضرورياً في الزمان والمكان. وأن حكومة وطنية جامعة كهذه تستطيع أن تنفذ كل القرارات التي صدرت عن اجتماعات هيئة الحوار الوطني وكل القرارات الدولية، ولاسيما القرار 1701، كي تقوم الدولة القويّة القادرة على سط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، فلا تكون دولة سواها ولا سلطة غير سلطتها ولا سلاح غير سلاحها. كما أن مثل هذه الحكومة تستطيع ان يكون لها موقف نهائي من تحييد لبنان عن صراعات المحاور، القريبة منها والبعيدة، لأن جعل لبنان دولة منحازة من شأنه ان يزعزع الوحدة الوطنية ويهدد العيش المشترك والسلم الأهلي. فأي طرف في لبنان ينحاز الى محور سيجعل طرفاً آخر ينحاز الى محور فيقع عندئذ الانقسام الحاد بين اللبنانيين، وهو ما عانوا منه كثيراً في الماضي وفي الحاضر.

لذلك يمكن القول إن الكلمة في وضع لبنان هي أولاً لايران كما كانت من قبل لسوريا، وعليها تقع مسؤولية إقامة دولة قويّة في لبنان برئيس مقبول من جميع أو من غالبية القوى السياسية الأساسية في البلاد لتكون قادرة على ضرب الارهاب ومنع تعديات اسرائيل عليه، وإقامة أفضل العلاقات مع جميع الدول، ولا سيما مع دول الجوار وتحديداً سوريا عندما يقوم فيها حكم جديد يحظى بموافقة عربية ودولية. أما إذا كانت ايران تريد ربط حل أزمة الانتخابات الرئاسية في لبنان بحل أزمات المنطقة، ولا سيما في سوريا، وهو انتظار قد يطول ولا يقوى لبنان على تحمل ذلك لا سياسياً ولا أمنياً ولا اقتصادياً، فان ايران لا تكون عندئذ حريصة على أمنه واستقراره كما تقول، ولا على تمكينه من مواجهة التنظيمات الارهابية، بل تريد أن تدخل الفوضى اليه كما في دول عربية، وتضعه في سلّة واحدة ليكون جزءاً من عملية تقاسم النفوذ في المنطقة، وان يكون ذلك بداية خلاف بين الدول المعنية تفيد منه اسرائيل والتنظيمات الارهابية.