Site icon IMLebanon

اتفاق نووي مع أميركا أم تفاهمات سياسية مع المنطقة؟

 

 

هل المنطقة على أعتاب اتفاق نووي أم تفاهمات بين طهران وعواصم المنطقة؟

لو صدقت الحماسة الإيرانية التي سادت خلال الشهرين الماضيين، لكنا اليوم نشهد على الاتفاق للعودة إلى الاتفاق النووي، الذي وُقّع عام 2015 بين طهران ودول «5+1» وخرجت منه إدارة ترمب عام 2018.

في الأسابيع القليلة الماضية بدا الاتفاق وشيكاً خلال ساعات أو أيام ظلت تطول، إلى أن أعلن الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً إبراهيم رئيسي، أن المفاوضات النووية ستستأنف بعد توليه المنصب رسمياً في الأسبوع الأول من أغسطس (آب).

حلّت محل موجات التفاؤل باتفاق نووي، الإشارات عن قرب ولادة تفاهمات إقليمية بين إيران وعدد من عواصم المنطقة، في ظل تسريبات عن لقاءات واجتماعات تعقد بين خليجيين وإيرانيين.

أعود الآن إلى السؤال. أي التطورين سيسبق، اتفاق نووي أم تفاهمات بين طهران وعواصم المنطقة؟

من الصعب جداً تصور حدوث الاثنين معاً. فإيران في حاجة دائمة إلى الاحتفاظ بأوراق ابتزاز بيديها تمارس من خلالها ما تسميه «النفوذ الإقليمي والدولي». فإيران الثورة تعيش على ريع وعائدات إحداث وإدارة الأزمات الدولية والإقليمية.

حين توصلت لاتفاق عام 2015 النووي، وخسرت عملياً ورقة الضغط النووية، شهدت المنطقة تضخماً غير مسبوق في دور ميليشيات ولاية الفقيه في ملفات الإقليم وفي كل ساحاته. وبلغت مستويات التغول الإيراني حدوداً لا سابق لها في الحديث عن احتلال أربع عواصم عربية، والتبجح بحدود متخيلة «للإمبراطورية الإيرانية» تصل إلى شواطئ المتوسط عبر «محافظة لبنان»!

فهل مؤشرات التقارب بين طهران ودول المنطقة هي طلائع البديل عن اتفاق نووي لا تبدو العودة إليه يسيرة أو قريبة، على الرغم من الإصرار الأميركي على الاتفاق والحاجة الإيرانية الملحة إليه؟

على عكس 2015، إيران اليوم تصعّد نووياً بالتلويح برفع مستويات التخصيب إلى 20 في المائة، وبث الأنباء عن محاولات القفز إلى مستويات تخصيب أعلى والشغب على بروتوكولات التفتيش، لكنها في المقابل تهدئ، ولو نسبياً، مع دول الخليج، مع الاحتفاظ بقواعد الاشتباك نفسها في الميدان، خصوصاً فيما يتعلق بالمقذوفات المتنوعة من اليمن نحو المملكة.

لطالما كانت هذه الموازنة الدقيقة بين التصعيد والتهدئة في ملفات مختلفة هي اللعبة الأوضح في السياسة الخارجية الإيرانية. تصعيد نووي مقابل تهدئة سياسية مع الإقليم أو تهدئة نووية وتصعيد سياسي مع الإقليم. وقد تصعّد في الاثنين معاً، لكنها ما هدّأت في الاثنين معاً مرة واحدة إلا حين قتل دونالد ترمب قاسم سليماني عام 2020، فانزوت طهران تلعق جراحها وتهضم الصدمة طوال عام كامل، زاد من كارثيته وباء «كورونا» وتصعيد العمليات الإسرائيلية الناجحة والمهينة داخل إيران ضد البرنامج النووي.

بعض التقارير الإسرائيلية التي قد تفسر اختيار طهران التصعيد النووي والتهدئة السياسية الإقليمية النسبية، تفيد بأن إسرائيل نجحت في تسديد ضربات حقيقية للبرنامج النووي الإيراني، لا سيما في نطنز، بالإضافة إلى استنزاف رأس المال البشري كاغتيال رئيس البرنامج النووي العسكري محسن فخري زاده. وتقول هذه التقارير، إن الأذى اللاحق بالبرنامج النووي عميق ومستدام إلى درجة تجعل من الاتفاق بلا وظيفة حقيقية لطهران، وأنه واقع يوفر لواشنطن فرصة للتشدد واستخراج اتفاق مهين لنظام الملالي.

يضعنا هذا الواقع أمام سؤال إضافي. إذا كانت إيران خسرت فعلاً الكثير من قوة الورقة النووية، فلماذا تغامر، عبر التهدئة السياسية، في تعطيل أيضاً ورقة الميليشيات؟

الجواب، أن إيران في حاجة إلى مساحة جدية لالتقاط أنفاس النظام، في ظل ثلاث وقائع لا يمكن تجاهلها:

1 – كشفت الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، التي شهدت أدنى مستويات المشاركة الشعبية، حجم اللاثقة واللاشعبية التي يتسم بها نظام الثورة.

2 – انفجار الانتفاضة الرابعة في وجه النظام منذ عام 2009 بدءاً من الأحواز، وصولاً إلى مشهد مروراً بطهران وعدد من المدن الإيرانية، وشعارات وعناوين تجاوزت المستوى المطلبي إلى الدعوات المباشرة لإسقاط النظام.

3 – الانهيار المريع الذي يضرب كل دول محور إيران، بالإضافة إلى إيران نفسها، ويهشم صورة النموذج الإيراني، الذي يعتبر تصديره إلى الخارج العمود الفقري لفكرة نظام الثورة. فلو نظرنا إلى لبنان وسوريا والعراق، سنجد أن ما يجمع هذه الدول، هو الانهيار في قطاع الخدمات والبنية التحتية من ماء وكهرباء وصحة، وانهيار في العملات الوطنية، وأزمات اقتصادية خانقة، وتردٍ اجتماعي غير مسبوق تعبر عنه مؤشرات الفقر والبطالة والجريمة واليأس وتصدع الهوية الوطنية.

في المقابل، فإن المنطقة نفسها في حاجة إلى التقاط الأنفاس والاستراحة من فائض التركيز على الخارج لصالح التركيز على كيفية الخروج من التبعات الاقتصادية لجائحة «كورونا»، وحماية الاستقرار السياسي والاجتماعي لدولها، والاستثمار الحسن في مقدراتها وسط عالم متغير اقتصاديا وسياسياً واجتماعياً بسرعات ضاغطة ومتحدية.

بيد أن ما لا ينبغي نسيانه، أن هذه اللحظة المغرية بتسويات ما، هي لحظة عابرة ومتغيرة، وأن الثابت هي طبائع الأنظمة والدول، لا سيما حين يتعلق الأمر بإيران والخريطة الجينية العقائدية لمشروع ولاية الفقيه.