محادثات فيينا سوف تفضي إلى العودة إلى الإتفاق النووي خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر. هذا تقديري من خلال متابعتي الدقيقة لهذا الموضوع.
وقد أشرت إلى تقاطع مصالح إدارة بايدن مع مصلحة إيران في العودة إلى الإتفاق النووي عام 2015 في مقالات سابقة آخرها مقالا» نشرته بتاريخ 23 حزيران في وكالة الأنباء المركزية (يمكنكم قراءته على صفحتي فيسبوك).
مع إنتخاب إبراهيم رئيسي رئيسا» للجمهورية الإسلامية في إيران، تأخر التوصل إلى الإتفاق والعديد من المتابعين لمسار محادثات فيينا، ولا سيما في الإدارة الأميركية، إعتقدوا أن التوصل إلى الإتفاق بات مستبعدا»، خاصة بعد تسليم أفغانستان باليد لطالبان وإنعكاسه سلبا» على وضع جو بايدن في الداخل الأميركي وإقتراب الإنتخابات النصفية في الولايات المتحدة التي قد تعطي الأغلبية للجمهوريين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، مما يمهد إلى عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عام 2024.
بات متعذرا» على إدارة بايدن بعد إنتخاب رئيسي من إعادة إستئناف المفاوضات وفق قاعدة ما سعت إليه سابقا»، أي تفاوض على مرحلتين : العودة إلى إتفاق ال 2015 في مرحلة أولى مع الإتفاق لإجراء مفاوضات تخص الصواريخ البالستية والتمدد الإيراني في مرحلة ثانية.
وبات من الواضح بنظري أن العودة إلى إتفاق 2015 لن يكون ممكنا» بنسخته الأصلية، بل أن إيران سوف تفرض العودة إليه معدلا» بمعنى أن توقف تخصيب اليورانيون إلى الحد الذي وصل إليه وتحتفظ بمخزون اليورانيوم المخصب كما تحتفظ بأجهزة الطرد المركزي. وحجة إيران لفرض هذه القاعدة بسيطة وتقوم على إعتبار أن النظام السياسي الأميركي لا يسمح بإعطاء ضمانات لها بأن لا تعاود الولايات المتحدة نقد الإتفاق من جديد كما حدث أثناء ولاية ترامب الرئاسية. معادلة إيران أصبحت كالتالي : إن نقدتم الإتفاق وأعدتم العقوبات نطور بسرعة التخصيب وصولا» إلى القدرة على إنتاج القنبلة النووية.
في الوقت عينه نلاحظ أن إدارة بايدن في صدد الخروج عسكريا» من العراق (قبل آخر السنة) ومن سوريا، بعد أن سلمت أفغانستان لطالبان ل»تتفضى» لمواجهة الصين في منطقة «آسيا-المحيط الهادئ»، ضاربة» عرض الحائط المصالح الإستراتيجية لحلفائها الأوروبيين هناك كما في الشرق الأوسط القريب من أوروبا ومتجاهلة» التقدم الإستراتيجي المتنامي بسرعة الذي تحرزه الصين في آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
مقابل عودتها إلى الإتفاق النووي معدلا» كما أسلفت القول، سوف تحصل إيران على الإفراج عن أموالها المجمدة في النظام المصرفي العالمي بحكم العقوبات، وهي بقيمة حوالي 100 مليار دولار، وترفع عنها العقوبات الأساسية التي تسمح لها بالتجارة وإستخدام القطاع المصرفي وقطاع التأمين، مما يدر عليها سيلا» مستداما» من الدولارات من خلال بيع نفطها وغازها بشكل رئيسي. والنتيجة أن إيران سوف تتمكن من إعادة إنعاش إقتصادها المتعثرمن جهة وإعادة تفعيل فيلق القدس ومحور المقاومة من جهة ثانية، علما» أن تصدير الثورة الإيرانية والجهاد في سبيل تعميم إسلامها إلى العالم بأسره هو في صلب عقيدة الجمهورية الإسلامية في إيران وعلة وجودها، وهي إن لم تسلك هذا الطريق يسقط نظامها.
في الوقت عينه، ومن أجل تشبيك مصالح الغرب ورأس المال المعولم بإيران، أتوقع أن تسمح إيران ببعض التوظيفات الغربية الدسمة على شاكلة عقود ضخمة مع الشركات العملاقة العاملة في قطاع النفط أو صناعة الطائرات المدنية على سبيل المثال لا الحصر، مما قد يكبل أيادي الغرب ويربكه في مواجهة التوسعية الإيرانية وتهديد إيران لحلفائه في المنطقة، ولا سيما إسرائيل ودول الخليج وغيرها من الدول العربية، كما ايضا» للتصدي للإخلال بالإستقرار والأمن الإقليميين الذي تتسبب به السياسة الإيرانية «الجهادية». وبتيجة كل ذلك، أتوقع أن تتفّعل تنظيمات كالقاعدة وداعش كردة فعل من «الجهادية السنية» على «الجهادية الشيعية» النشطة.
بالخلاصة، إن سياسة الغرب عامة وسياسة إدارة بايدن خاصة لا أفق لها وتخلق أوضاعا» في غاية الخطورة من الصعب أن لا تؤدي ألى إشعال حرب مدمرة في المنطقة.