الإتفاق النووي الإيراني – الدولي يقسم اللبنانيين حول تداعياته
يبقى من المُبكر إطلاق الأحكام على الإتفاق الإيراني -الغربي وانعكاساته على دول وشعوب المنطقة..
إختلف القادة اللبنانيون حول مفاعيل وتداعيات الاتفاق النووي بين إيران والدول الست قبل وقت من وضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ مما يدل على أن لا أحد منهم استحصل حتى الآن على أية معلومات مفيدة أو سلبية عمّا إذا كان الاتفاق النووي فتح الطريق أمام إيجاد الحلول لأزمات المنطقة الملتهبة من اليمن إلى ليبيا وإلى العراق وسوريا ولبنان.
فالرئيس نبيه برّي المعروف بسعة مصادره الدولية والإقليمية كان السبّاق حتى قبل الإعلان عن الاتفاق إلى إعطائه بُعداً إقليمياً بحيث يفتح الطريق أمام الحلول لأزمات المنطقة ومنها كأولوية اليمن ولبنان كون الدولتين تقعان تحت النفوذ الإيراني مباشرة من خلال الحوثيين في اليمن ومن خلال حزب الله في لبنان والذي بات بحكم قوته المسلحة يملك كامل القرار اللبناني والدليل هو تعطيله الانتخابات الرئاسية أكثر من أربعة عشر شهراً.
والرئيس برّي نفسه عاد وجدّد تفاؤله بعد التوقيع على الاتفاق من قبل الإيرانيين والدول الست الكبرى وأبلغ النواب الذين التقاهم أمس كعادته كل يوم أربعاء بأنه يأمل أن تكون لهذا الاتفاق انعكاسات إيجابية على المنطقة، وأن يُساعد على تحقيق الانفراج في لبنان، وقال للنواب: لقد سعينا جاهدين للبننة الاستحقاق الرئاسي ولم ننجح وربما يساهم هذا الاتفاق في خلق أجواء مساعدة على أزالة التعقيدات أمام انتخاب رئيس الجمهورية، وشدّد على ضرورة أن يُبادر اللبنانيون في ضوء ما حصل إلى السعي لتعزيز المناخات التوافقية في ما بينهم لملاقاة الأجواء الإيجابية المنتظرة من الاتفاق النووي.
ولم يكن رئيس التكتل النيابي لتيار المستقبل الرئيس فؤاد السنيورة أقل تفاؤلاً من الرئيس برّي بالنسبة إلى انعكاسات هذا الاتفاق على المنطقة وعلى لبنان بشكل خاص وذلك بكشفه عن سعي التيار ومن يتحالف معه لإنشاء علاقة جيدة مع إيران باعتبار أن هناك أموراً تجمعنا معها،وهناك تاريخ طويل من العلاقات بين إيران والدول العربية، مؤكداً أن الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى حدث مهم وعلينا أن ننتظر أكثر لنتعرف إلى حقيقة ما جرى ونحن كلبنانيين وعرب كان لنا موقف نقول أننا ضد أن يكون أي وجود نووي لأغراض غير سلمية وأول هذه الدول إسرائيل وليس فقط إيران.
أما رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع فقد كانت لهما مواقف متحفظة على هذا الاتفاق برغم تطمينات رئيس الولايات المتحدة الأميركية الذي لم يُخفِ سروره من أن الاتفاق أنجز قبل انتهاء ولايته حسبما توقّع، وما قدّم من تسهيلات لإنجاح المفاوضات ولو في آخر لحظة، وذهب رئيس جبهة النضال الوطني إلى أبعد من التحفظ بحيث نعى مستقبل الدول العربية وألمح إلى أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة قد تكون أقسى من اتفاق سايكس – بيكو الذي قسّم المنطقة إلى عدّة دول.
كذلك دلّت المواقف التي أطلقها كل من الرئيس برّي والرئيس السنيورة أن الأول يملك معلومات من داخل إيران أو من خلال حليفه حزب الله عن متغيّرات ستحصل بعد الاتفاق في منطقة الشرق الأوسط يكون لبنان المستفيد الأول منه على اعتبار أن حليف إيران حزب الله هو الذي يشكّل العقدة الأساسية أمام لبنة الأزمة اللبنانية ولا سيما أزمة انتخاب رئيس الجمهورية بما يحصل بين إيران والدول الكبرى الست في شأن الملف النووي حتى إذا توصلت إيران إلى اتفاق مع الدول الكبرى الست حول هذا الملف سوف ينعكس إيجاباً على سلوكها في المنطقة ولا سيما منها الدول العربية الأمر الذي يجعلها تقدّم بعض التنازلات لتسهيل الحلول للأزمات العالقة بدءاً من اليمن التي لها نفوذ قوي فيها عبر الحوثيين مروراً بسوريا ووصولاً إلى لبنان التي لها فيه ذات النفوذ في اليمن، وبناء على هذه الأجواء التي لم تخفها إيران عن أصدقائها بنى الرئيس برّي تفاؤله في شأن حل أزمة انتخابات رئاسة الجمهورية على قاعدة التوافق بين اللبنانيين كما حدث في قطر قبل أكثر من سبع سنوات حيث لعبت إيران دوراً أساسياً لمصلحة وصول رئيس توافقي إلى بعبدا في الوقت الذي كان حزب الله يلعب ورقة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، وما زال يلعبها حتى تاريخه بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات بين إيران والدول الست وهل ستتوقف طموحاتها وتدخلها في الدول المجاورة بعد هذا الاتفاق وبعد دخولها النادي الدولي أم أنه سيشكل منطلقاً جديداً للعمل على زيادة هذا النفوذ بإمكانات أكبر مادياً وعسكرياً كما هو الحال اليوم في تدخلها العسكري والمادي في العراق وسوريا ولبنان وفي اليمن أيضاً.
وبصرف النظر عن آراء اللبنانيين المختلفة وتحفظات البعض العلنية على هذا الاتفاق ومفاعيله وتداعياته السلبية على دول المنطقة ومنها لبنان على حدّ ما يرى النائب جنبلاط، يبدو جلياً أن الدول العربية وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية لا ينظرون إلى هذا الاتفاق نظرة إيجابية لأنهم يخشون أن يكون من نتائج هذا الاتفاق إطلاق يد إيران في المنطقة على حساب الدول العربية الأخرى وخاصة على حساب المملكة العربية السعودية التي قررت التصدّي حتى عسكرياً كما حصل في اليمن للتمدّد الإيراني وطموح مرشدها الأعلى في التوسع على حساب الدول العربية ما حمل الرئيس الأميركي على الاتصال بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وطمأنة الشعوب العربية من خلاله من أن هذا الاتفاق لن يغيّر في موقف الولايات المتحدة الداعم والصديق للمملكة وللدول العربية الأخرى، ومع ذلك يبقى من المُبكر كما قال الرئيس السنيورة إطلاق الأحكام على هذا الاتفاق وانعكاساته على دول وشعوب المنطقة.