أنجز الغرب والجمهورية الاسلامية الايرانية الاتفاق على برنامج طهران النووي بعد مفاوضات مضنية استغرقت مرحلتها الاخيرة، المرتبطة بوجود الرئيس الاصلاحي حسن روحاني، عامين على الاقل. لكن ذلك لا يعني اتضاح انعكاسات هذا الانجاز المفصلي بسرعة سواء في الداخل الايراني او على توازنات منطقة الشرق الاوسط بسبب الترابط الوثيق بينهما.
فبدء المراحل التنفيذية للاتفاق، الذي نزع لعشر سنوات على الاقل اظافر النووي الايراني العسكرية، وقصر نشاطاته على حقول بحثية ولحاجات تطوير صناعاته، يقدر بالاشهر. فالتطبيق يبدأ بعد 90 يوماً من تصديق مجلس الامن الدولي، فيما لا تزال خيارات التعطيل واردة سواء عندما سيتصدى الكونغرس للموضوع او سواء عندما سيطرح امام مجلس الامن القومي للموافقة.
لكن انجاز الاتفاق أسقط بالتأكيد، وبمتابعة بسيطة لتعليقات الاصلاحيين الايرانيين والمسؤولين الغربيين، اسس الايديولوجيا التي بناها ولي الفقيه، والتي انطلقت مع الثورة الاسلامية عام 1979 والمرتكزة على مقولات اعتبار الولايات المتحدة «الشيطان الاكبر» وعلى هتافات «الموت لأميركا الموت لإسرائيل» والدعوة الى محو الدولة العبرية من الوجود اضافة الى تحرير القدس، وهي المقولات التي استخدمتها ايران للتغلغل في وجدان الشيعة العرب. ولا تكفي للتمويه مناورات المرشد الخامنئي، كتلك التي ادلى بها قبل يومين من التوقيع، عندما لم يكتف بتأكيد استمرار الصراع مع الولايات المتحدة بل توقع تصعيده.
وقد اسقط الاتفاق مفعول التهديدات بضربات عسكرية وان لم تكن يوما جدية، سواء من قبل الاميركيين او حتى الاسرائيليين.
وللاتفاق النووي الايراني ركيزتان: ايران والمجتمع الدولي وفق سياسي لبناني مخضرم. الاولى تستثمر بالامن في اشارة الى سعيها الدؤوب في السنوات الماضية الى تجميع اوراق امنية وضعتها في خدمة مفاوضاتها على غرار افتعالها حساسية ساخنة شيعية – سنية انطلقت من العراق اضافة الى دعمها المطلق لبشار الاسد في سوريا وللحوثيين في اليمن والى مصادرتها رئاسة الجمهورية في لبنان. اما الركيزة الثانية المتمثلة بالمجتمع الدولي فبيدها ملف رفع العقوبات التي حاصرت ايران لدرجة معاناة مواطنيها من نقص في الادوية والغذاء، رغم نجاحها في الالتفاف على بعض منها وخصوصا في مجال بيع نفطها المحظور من موانئ العراق وسوريا باعتباره نفطاً عائدا لهاتين الدولتين.
فمن المبكر الاجابة عن سؤال «من سيكون الرابح في داخل ايران«، وهو ما ستظهره الانتخابات المتوقعة في شباط المقبل. اسيكون الاصلاحيون الذين تهافت انصارهم على الاحتفال بشوارع طهران اذ سيوظفون العائدات المتوقعة في سبيل تحسين معيشة مواطنيهم، او المتشددون الذين سيوسعون هامش تحركاتهم الاقليمية بسبب الامكانات الاكبر التي ستصبح في تصرفهم عبر تسييل الاموال المجمدة في المصارف الغربية وعائدات النفط الذي تمكنت من تصديره دون ان تنجح في قبض ثمنه ورفع الحظر عن التعاملات التجارية؟
لقد استبعد الاتفاق الملفات الاقليمية وحصر مفاوضاته بالنووي. فالموقف الاميركي خصوصا فرض إرجاء الحوار حول الامور الساخنة في الاقليم والتي لها علاقة بايران الى ما بعد الانجاز، وذلك ردا على مطالبة العرب، في لقاءات كامب ديفيد الاخيرة، ان يشمل البحث القضايا الاقليمية، كما يؤكد مصدر سياسي سيادي لبناني مقيم في الولايات المتحدة ومطّلع عن كثب على تفاصيل الادارة الاميركية.
فموافقة ايران على الاتفاق يعني خضوعها للشرعية الدولية وهو ما يظهر مثلا من موافقتها على تفتيش، وان مشروط لمنشآتها النووية، بما ينتهك عمليا السيادة الوطنية لكن الموافقة عليه اتت كثمن للاندماج في الشرعية الدولية. ويرجح المصدر ان توقف ايران سياساتها العدائية ضد شعوب المنطقة مع عودتها لحضن الشرعية الدولية وان تعكف على نسج علاقات حسن الجوار لأنه لا يمكن الموافقة على جزء من الشرعية ورفض الجزء الآخر.
فالنظام العالمي الجديد يعتمد سياسة «صفر مشاكل« لان همه الرئيس هو الاستثمار الذي لا يمكن ان ينجح الا على قاعدة الاستقرار التي تؤمن استثمارات مالية ناجحة. وعليه، الامل ان تتميز المرحلة المقبلة بانفتاح في الداخل الايراني واندماج في النظام الدولي بما يعيد الجمهورية الاسلامية دولة طبيعية تلتزم نفوذها في حدودها الجغرافية.