الحدثُ النووي يطغى على كلِّ ما عداه ويغطي أي أحداث أخرى، فإذا كان هذا الإتفاقُ سارياً لعشر سنوات إلى الأمام، فهذا يعني أنَّ كل تطورٍ في المنطقة سيكون مرتبطاً به، أي منذ اليوم وحتى العام 2025.
ولأنه كذلك، فإن أَنظار العالم ستكونُ موجَّهةً إلى المنطقة لإعادة رسم، إما الخارطة الجغرافية، وإما الخارطة الإستراتيجية لها، إنطلاقاً من أنَّ الجمهوريةَ الإيرانيةَ صارت داخل الحظيرة الدولية ولم تعد خارجها بعد هذا الإتفاق.
العالم مازال يقرأ، سطورَ الإتفاقِ وما بين السطور، وكلما إزدادت القراءة كلما ازداد الإنقسامُ حول الإتفاق:
منهم مَن يعتبره بأنه منقذٌ لإيران وهذه القراءةُ هي لخصوم إيران وأعدائها، ومنهم مَن يعتبره بأنه انتصارٌ لإيران، وهذه قراءةُ حلفائها، وبين القراءتين، هل من قراءة ثالثة؟
العالمُ بات براغماتياً أكثر منه عقائدي، بات ينظر إلى أي إتفاقٍ من زاوية مصالح الدول، وليس من زاوية قناعات الأفراد وبرامج الأحزاب وإتجاهات الرأي العام. أكبرُ دليلٍ على ذلك أنَّ اليونان حين أجرت الإستفتاء على التقشف جاءت النتيجة عقائدية غير براغماتية. ابتهل اليونانيون وابتهجوا ونزلوا إلى الشوارع، لكن أين، تمَّ صرف نتائج الإستطلاع؟
فما تمّ رفضه عقائدياً في الإستطلاع، جرى قبوله براغماتياً في اجتماعات بروكسيل، فأُرغمَت اليونان على القبول بإجراءات الإتحاد الأوروبي، أي منطقة اليورو.
وكما التعاطي البراغماتيكي في أزمة اليونان، يبدو انه سيتم التعاطي براغماتياً مع التحول الناجم عن الإتفاق النووي، إنطلاقاً من المعطيات التالية:
إنَّ رفعَ العقوبات عن إيران سيؤدي إلى إدخال ما بين 500 إلى 700 مليار دولار، إلى الخزينة الإيرانية، خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة، أي أنَّ الإتفاق سيحوِّل إيران إلى قوة نووية إقتصادياً، وهذا ما دفعَ أحد المعلِّقين الخبراء إلى وصف ما حصل بأنه زلزال إستراتيجي يضرب الشرق الأوسط.
السؤال الأساسي هو:
هل من أحدٍ قادرٍ على عرقلة الإتفاق؟
وما هو البديل في هذه الحال؟
الرئيس الأميركي باراك أوباما هو الذي أجاب عن هذا السؤال بالقول:
99 في المئة من سكان العالم ومعظم خبراء الطاقة النووية يرون أنَّ هذا الإتفاق سيمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية، وأنا لم أسمع عن حلّ بديل، ولكن هناك خياران فقط، الأول اللجوء للدبلوماسية والتفاوض، والثاني القوة العسكرية واللجوء إلى حرب. هذان هما الخياران.
هذا الكلامُ يعني أن الإتفاق سيشق طريقه إلى التنفيذ خصوصاً أنَّ الدول الكبرى بدأت تأخذ مواعيد في طهران، فها هو وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس يستعدُّ لزيارة طهران، وكذلك نظيره الإيطالي.
هذه الحماسة ستدفع اللبنانيينَ إلى السؤال:
هل من شقٍّ لبناني في هذا الإتفاق؟
إعتاد اللبنانيون إما على دفع ثمنِ الحروب، وإما على دفع ثمنِ الإتفاقات؟
هذه المرة ماذا سيكون قدَرُهم؟
لننتظر حركة ما بعد عطلة عيد الفطر المبارك.