IMLebanon

الاتفاق النووي مع إيران لن يتم

يحل الإثنين المقبل الموعد النهائي الذي حدّدته مجموعة «خمسة زائد واحد» للوصول بالمفاوضات مع إيران على ملفها النووي إلى اتفاق تاريخي يقفل هذا الملف، ويفتح الباب أمام تحسين علاقات طهران مع الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً. لكن الدلائل لا تشير حتى الآن إلى إمكان تحقيق هذا «الحلم» الذي يراود الرئيس الأميركي باراك أوباما ويريد تتويج ولايتيه في البيت الأبيض به.

فالإيرانيون يبدون غير مستعدين لتحقيق طموح أوباما، ولا طمأنة الأوروبيين، لأنهم غير واثقين من الحصول على مبتغاهم من المفاوضات مع رئيس أميركي ضعيف وقارة عجوز منقسمة ومترددة، ولأنهم أصلاً ليسوا راغبين في تقليص دورهم في المنطقة.

ومنذ بدء المفاوضات الطويلة الحالية، حدّدت إيران ثلاثة مسارات لها، يتعلق الأول بالملف النووي حصراً وما يتفرع عنه من عدد المفاعلات وأجهزة التخصيبب وقدراتها وآليات التفتيش والتحقق، ويتناول الثاني العلاقات بين إيران والولايات المتحدة كدولتين ويمتد تالياً إلى العلاقات الإيرانية مع الغرب عموماً، أما الثالث فيشمل الدور الإيراني في الشرق الأوسط ونفوذ طهران في المنطقة وأدواته.

ومنذ البداية أيضاً لعبت إيران على ترتيب المسارات الثلاثة، طوراً تقدم أحدها على الآخر، وتارة تربط بين التقدم في أحدها وبين مكاسب في آخر، ومرة تطرحها دفعة واحدة على طاولة المفاوضات، لتعود في جلسة المفاوضات التالية إلى التفريق بينها، بهدف كسب الوقت ومواصلة برنامجها النووي وفرض وقائع جديدة على المفاوضين الدوليين، والضغط على بعض منهم بسبب رغبته في إحراز تقدم ما، وارتباط ذلك في حساباته بعمر إداراته المحدود.

وللمفاوضين الإيرانيين باع طويل في التلاعب بالأميركيين، واختبروا قدرتهم هذه مع إدارات متعددة في واشنطن، معتمدين على ما يعتبرونه «نقاط ضعف» في الأنظمة الديموقراطية التي تطبق مبدأ تداول السلطة، ومراهنين على ان أي رئيس اميركي لن يبقى في منصبه اكثر من ثماني سنوات في افضل احواله، اما هم فمرشدهم باق الى ان يموت.

فعندما وصل محمد خاتمي الى الرئاسة في 1997، تفاءل الأميركيون، وقدم بيل كلينتون اقصى التنازلات التي قدر عليها: خفّف العقوبات الاقتصادية واعترف بمسؤولية بلاده عن الانقلاب ضد حكومة مصدق، اشرك طهران في مناقشة الوضع الأفغاني الذي كان يقلقها. لكن التيار الإيراني المتشدد حال دون تحقيق اي نتائج، وحوّل عهد خاتمي الى رئاسة فخرية مانعاً اياه من الحكم فعلياً، الى ان جاء بالمتشدد احمدي نجاد رئيساً.

اما جورج بوش الابن الذي باشر اتصالات مع ايران بعيد اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر)، فسرعان ما نأى بنفسه بعد انكشاف نشاط ايران النووي. ولم يعزّز غزو العراق ووصول الجيش الأميركي إلى الحدود الإيرانية من وضعه التفاوضي مع طهران، بل تبين ان ايران هي التي حققت ما تريده في العراق بأيدي الأميركيين.

واليوم، يبعث باراك اوباما برسائل طمأنة واحدة تلو الأخرى الى خامنئي، ويدافع عملياً عن ايران وحلفائها في المنطقة، مثلما هو واضح في الملف السوري، ورغم ذلك لن يعطيه الإيرانيون «الجائزة» التي ينتظرها، لأنه رئيس ضعيف فقد السيطرة على مجلسَي الكونغرس، وسيأتي بعده خصومه الجمهوريون الذين قد ينقضون أي اتفاق مبرم معه، أو قد يحولون منذ الآن دون ابرام أي اتفاق طالما يملكون الغالبية التشريعية.

لكن السبب الفعلي والأهم هو ان ابرام الاتفاق النووي وتحسين العلاقات مع واشنطن، سيعني تعديلاً في الدور الإيراني الإقليمي، فهل ترغب طهران في ذلك فعلاً؟ وهل تريد ان تصبح مجرد «صديقة» لواشنطن تراعي مصالحها في المنطقة؟

الواقع ان دور ايران في الشرق الأوسط يقوم على اذكاء الصراع العربي – الإسرائيلي، ليس بهدف محاربة اسرائيل كما تقول شعاراتها، بل بهدف فرض نفسها بديلاً من العالم العربي وقراراته التي تقوم على مبادلة الأرض بالسلام. وأي اتفاق مع الأميركيين يعني ان هذا الدور سيتقلص، لأن واشنطن ليست وحدها فيه ولن تستطيع فرض الشروط الإيرانية على كل العرب وتركيا ايضاً.

ومثلما اختارت ايران التاريخية التمايز عن محيطها العربي الأوسع بتبنيها المذهب الشيعي، ستظل ايران الحالية ايضاً تغرد خارج السرب الإقليمي، برفع شعارات تناقض مصالح العرب في سلام دائم، ولن تدخل في تفاهم مع الأميركيين والغرب يلغي ذلك. وأقصى ما يمكن التوصل اليه، هو توسيع الاتفاق الإطاري السابق قليلاً، بحيث تظل فكرة التفاوض قائمة والتنازلات الأميركية واردة.