IMLebanon

نووي… حتماً!

هذه المرة لن يحق لنا ولن يكون جائزاً أن نخطئ أي فريق لبناني في “رهاناته” على الحدث النووي الطالع من فيينا كأنه يُنبئ بتغير الأزمان. هو حدث كامل المواصفات المتحوّلة تاريخياً بفعل حروب ساخنة وباردة وما بينها مما عصف بالعالم وبالشرق الاوسط ولا يزال. ولن يكون مستساغاً ولا صادقاً حتماً ان “نستكبر” على القوى اللبنانية السياسية في أي ضفة أو معسكر باصطناع التعفّف عن الرهانات وضرب أخماس الحسابات بأسداسها وإظهار “بتولية” وطنية استقلالية مزعومة للوعظ بأن الرهانات لا تجوز مع تطوّر بهذا الحجم.

ولكن وبكل الانصياع للواقعية التي يمليها تلقّف حدث الاتفاق بين القوى الست الكبرى الدولية وايران وتداعياته وانعكاساته المؤكدة على مجمل ملفات المنطقة وحروبها المتدحرجة ترانا لا نزال نملك، أو هكذا ندّعي لأنفسنا على الأقل، الامل في عدم افراط القوى اللبنانية في “القواص على الطاير” والتحلّي بفضيلة التمهّل في تلقّي المفهوم وغير المفهوم، خصوصاً اننا لم نكتشف بعد وليس بعلمنا أبداً أن بين صفوفها وفي مراسها الطويل خبراء عريقين في علم الذرّة النووية. جل ما خبرناه من زعامات لبنان وقواه السياسية وتياراته وأحزابه لا يحتاج الى تمعن في التحليل والتمحيص لاستخلاص محاذير “القراءة على الواقف” لاتفاق يُعتقد أنه الأشد تعقيداً في تاريخ الاتفاقات والمواثيق والعهود والعلاقات الدولية، ولا سيما انه يتّصل حصراً بمسألة النووي الايراني. ثمة من جهة ست قوى دولية تتقاسم النفوذ العالمي وعلى رأسها الولايات المتحدة ومن جهة أخرى إيران “حائكة السجاد” التفاوضي بمهارات وقدرات لا يملك أعتى خصومها وأعدائها إلا الاعتراف لها بها. فكيف والحال هذه، ونحن على ما نحن عليه في فنون الادعاءات وطول الباع في الغطرسة واصطناع البراعة في كل شيء، لا نخشى أن يبدأ “تقويم” الحدث الطالع بإسقاط الأمنيات المتوهّجة سلفاً عليه من هذا الفريق أو ذاك قبل أن تتّضح في البلدان المعنية به الصورة الحقيقية لميزان المكاسب والتنازلات على الضفتين؟ وكيف لا نخشى أن تتدفّق ردود الفعل الداخلية للتوّ وفوراً كما بدأ يحصل فعلاً قبل ان يُنشر الاتفاق وتتّضح صورته أقله “على الورق” قبل الخوض في أسرار مخفية ربما تتكشّف يوماً عن أكبر صفقات العصر الدولية والاقليمية؟ ومن يضمن لنا، كمراهنين على الاقل، ان يكون الجانب النووي في الاتفاق يحجب المخفي الاقليمي الأوسع الذي يستحيل ساعة ولادة الاتفاق التكهّن به سلفاً لمجرد أن 8 آذار تطمح الى ترسيخ هيمنة إيران الناشبة مخالبها في كل المنطقة وتشريعها دولياً وأن 14 آذار تُمنّي النفس بقصقصة جوانح الحرس الثوري وامتداده اللبناني؟ هذا تطوّر لا يُقرأ الا ذرياً فانتبهوا!