IMLebanon

الإتفاق التاريخي النووي:  إستمرارية التنفيذ

منذ قرابة الأربعين عاماً، دخل إلى العالم مصطلح الشيطان الأكبر، وهو المصطلح الذي استخدمته إيران ضدَّ الولايات المتحدة الأميركية إثر انتصار الثورة الإيرانية.

اليوم، تجلس إيران مع الشيطان الأكبر ودول الغرب لتوقِّع معهم إتفاقاً حول برنامجها النووي، وهو الإتفاق الذي لا يتيح لها إنتاج قنبلة نووية.

سيسيل حبرٌ كثير، مثلما سال دم كثير قبل الإتفاق، لمعرفة ما هو هذا الإتفاق؟ وماذا يتضمن؟ ومَن هو الطرف الرابح؟ ومن هو الطرف الخاسر؟

وما هي انعكاساته على دول المنطقة ولا سيما جيران إيران؟

وما هو تأثيره على موازين القوى؟

من المكابرة الإعتقاد بأنَّه في هذه العجالة بالإمكان إيفاء هذا الإتفاق كلَّ مضامينه من ألغاز وتعقيدات وخرائط طرق، لكن بالإمكان وضع إطار فهم لمعرفة تأثيره على المنطقة والعالم. فما هي حقائقه؟

الإتفاق استغرق إثني عشر عاماً من المفاوضات، حيناً سريَّة، وحيناً علنية، حيناً هامشية وحيناً رسمية، كانت تتقطَّع وتنقطع ثم تعود وتنطلق، فمنذ الكشف عن برنامج إيران النووي، ودول الغرب لا تتوانى عن محاولة استكشاف حقيقة هذا البرنامج، أما لماذا تمَّ الضغط في اتجاه تحقيق الإتفاق الآن، فلأنَّ هناك معلومات دولية أفادت بأنَّ إيران كانت على وشك إنتاج قنبلتها النووية في غضون الشهور المقبلة، لكنَّ الإتفاق سيحول دون ذلك.

بالتأكيد كان هناك برنامج نووي إيراني، هَدَفت إيران من خلاله إلى أن تقول للعالم إنَّها دولة إقليمية وتتطلَّع إلى السيطرة خارج حدودها، وهذا ما جرى التعبير عنه منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي حين انطلق شعار تصدير الثورة. هذه النزعة وضعتها في نزاع مع جيرانها ومع دول المنطقة ومع الغرب، وكانت هناك محاولات لردعها من خلال العقوبات التي فُرِضت عليها والتي تمثَّلت في فرض حظر على خمسمئة مؤسسة وشخصية إيرانية، كذلك من خلال تجميد حساباتها في المصارف الأميركية. سياسة التضييق هذه جعلت إيران تختنق إقتصادياً، وعليه لم يكن لديها متنفس للخروج من هذا الإختناق سوى بالهروب إلى الإتفاق.

الإتفاق هو عملياً خارطة طريق يحتاج إلى أكثر من قراءة معمّقة للوصول إلى إستنتاج صحيح، فهو مؤلَّف من مئة وعشرين صفحة ومن ثمانية ملاحق، ولهذا فإنَّ من باب التسرُّع إطلاق أَحكام عاجلة لأنَّ قراءة النصوص وحدها تحتاج إلى أيام، فكيف إذا كانت هذه القراءة تهدف إلى تحديد الثوابت؟

لكن على رغم ذلك فإنَّ من المهم جداً طرح الهواجس لِما بعد الإتفاق، ومنها:

البرنامج النووي الإيراني كان من جملة أهدافه تحقيق ما تسعى اليه طهران، فماذا عن هذا المسعى بعد وقف هذا البرنامج لأغراض عسكرية؟

صحيح أنَّ الإتفاق هو إتفاق تاريخي سواء بالنسبة إلى إيران أو بالنسبة إلى دول الغرب، لكن العبرة ليست في نصوصه بل في ضمان تنفيذه بحذافيره وفي إستمرارية هذا التنفيذ.

اعتمدت إيران روحية التفاوض في تعاطيها مع دول الغرب، فهل ستواصل هذه الروحية في تعاطيها مع دول المنطقة لجهة طريقة حلِّ الخلافات مع جيرانها.

بمعنى آخر، يقول خبير دولي:

لا يمكن لإيران أن تكون مسالِمة في جنيف ومع دول الغرب وتكون لديها خلافات مع جيرانها.

في الخلاصة، لا بدَّ من الإنتظار لإنجاز كامل القرارات بغية وضع التصور الواضح والحقيقي، ولكن بالتأكيد فإنَّ ما بعد الإتفاق ليس كما قبله.