ليست المرة الأولى التي نكتب فيها عن هذه الكذبة، وأقول الكذبة لأنّ الأيام تؤكد كلامنا.
وتنشيطاً للذاكرة نسأل: لماذا ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981 فيما كان العراق أقوى من إيران، وبعدما دمّرته إسرائيل أعلنت عن أنّ طيرانها دمّر هذا المفاعل.
وفي العام 2006 كرّرت إسرائيل العملية ذاتها فوجّهت ضربة الى المفاعل النووي السوري الذي موّلته إيران بكلفة 3 مليارات دولار.
منذ اللحظة الأولى لإثارة الموضوع النووي الايراني كنا ولا نزال نقول إنّها كذبة للتهويل على العرب لأنّ المطلوب من إيران منذ مجيء الخميني في العام 1979 مشروع الفتنة السنّية – الشيعية، ولكي تكتمل الحروب بعد الغزو الأميركي للعراق، وبعدما جاء صدّام حسين بأبو مصعب الزرقاوي لمحاربة الأميركيين، الذي هرب الى سوريا بعد غزو 2003 فتلقفه النظام السوري وكلفه تفخيخ السيارات الموجهة ضد الأميركيين في العراق.
وبات واضحاً أن لا شيء اسمه مشروع نووي إيراني، فلو كان هذا الأمر صحيحاً لكانت إسرائيل ضربته منذ زمن بعيد من دون أن ترد على أي اعتراض.
وأمس، أعلنت إيران، أنّ الاتفاق بشأن مشروعها النووي لن يوقع في موعده (غداً) آخر شهر حزيران 2015 كما هو مقرر منذ شهر شباط الماضي، وأنّه بالتالي أُرجئ شهراً آخر! وفي وقت لاحق صدر عن واشنطن إعلان مماثل.
عشر سنوات والعالم يتابع هذه الكذبة الكبرى الدائرة بين إيران ومجموعة الدول الخمس الكبرى زائد دولة واحدة 1+5 أي: الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية وبريطانيا العظمى وفرنسا والصين زائدة ألمانيا.
عشر سنوات والمواعيد تُضرب من شهر الى شهر، ومن فصل الى فصل، ومن سنة الى سنة…
مصائر شعوب متوقفة على هذه الكذبة.
حروب نشبت وحروب ستنشب تحت «رعاية» هذه الكذبة المتمادية.
وقارئ هذه الزاوية لم يستغرب ما سمعه، أمس، من إعلان طهران وواشنطن عن تأجيل الاتفاق الذي طبّلوا وزمّروا له على امتداد الأشهر الأخيرة بأنّه سيوقع في اخر شهر حزيران الذي ينتهي غداً وجازت الكذبة على كثيرين، وبنوا عليها أوهاماً ذهبت فيها تخيلات كبار السياسيين والمحلّلين الى أماكن بعيدة جداً… البعض عن حسن نيّة والبعض عن سوء نيّة…
ربطوا أزمات المنطقة (تفاقمها وحلولها) بهذا الاتفاق الموعود.
أعطوا أدواراً لإيران، وحجبوا أدواراً لغيرها تحت شعار أنّ الاتفاق سيوقع غداً الثلاثاء تحديداً، كموعدٍ مضروب منذ أشهر!
بنوا قصوراً على رمال الاتفاق الموعود.
ولتكتمل الكذبة كانوا يستخدمون أسلوب العصا والجزرة للتمويه على الحكومات والشعوب… تارة يزعمون أنّ إيران ستستعيد ملياراتها المجمّدة فور توقيع الاتفاق، وتارة يقولون: بل تستعيد المال خلال سنوات خمس… ويقول آخر إنّ العقوبات ستُرفع عنها، وأنّ المستثمرين الاميركيين والاوروبيين سيتدفقون الى إيران بالمئات(…).
وطوراً يلوّحون بتصعيد العقوبات، وبتأديب إيران(…)
وكله كذب بكذب… إنها «نكتة بايخة» ولكنها من أسف مزعجة! فما بين واشنطن وطهران، في العمق، أكبر ممّا يبدو في الظاهر:
كلاهما يدعمان (عملياً) نظام بشار الأسد في سوريا على حساب الشعب السوري، وإلاّ لما كانت واشنطن قد اختصرت الأزمة السورية بتسليم بشار سلاحه الكيميائي… إذا كان قد سلمه كله فعلياً! وكم مرة حددت واشنطن، وبلسان رئيسها شخصياً مهلة لضرب بشار وإسقاطه وتخليص الشعب السوري منه… ثم تبيّـن أنّ ذلك لم يكن سوى كلام بكلام.
وكلاهما توافقا على ضرب العراق منذ حرب الخميني وصدّام حسين وافتضاح «إيران غايت»: فضيحة تزويد أميركا (وإسرائيل) نظام الخميني بالأسلحة كلّما كان على وشك خسارة الحرب.
وكلاهما تواطأا على ضرب الحائط بإرادة الشعب العراقي الذي اختار أكثرية نيابية تدعم الدكتور أياد علاوي لرئاسة الحكومة، ففرض التواطؤ الاميركي الإيراني نوري المالكي رئيساً للحكومة ما أدّى الى سياسة اضطهاد لأهل السُنّة في هذا البلد العربي العريق وإلى إغراقه أكثر فأكثر في بحرٍ من الدماء لم يجف يوماً!
وكلاهما يشجعان على «الفتنة الكبرى» بين السُنّة والشيعة في دول المنطقة… منذ أن أعلن الخميني «تصدير الثورة»!
وبالإمكان ضرب المزيد من الأمثلة عن هذا التواطؤ الذي يدفع العرب والمسلمون جرّاءه أكبر الأثمان وأخطرها وأقساها…
وأمّا الكذبة الكبرى المسمّاة «الاتفاق النووي» فإلى فصول (… ومسرحيات) جديدة، ولكنها، مع الأسف، مسرحيات وفصول من نوع المضحك المبكي.
فمن يصدّق أنّ إيران وحدها تجلس الى طاولة مقابل كبار الدول في العالم التي ذكرناها أعلاه… وهي التي خسرت الحرب أمام العراق؟!. وصدّام الذي هزم إيران هزمه الأميركي بلحظات إثر عمليته الغبية في الكويت ووصل الأميركي الى البصرة وتوقف قبل أن يقصد بغداد لأنّ قرار إسقاط صدّام كان مرجأً الى العام 2003.
فلو كانوا جادّين في الملف النووي لكانت إيران امتثلت من زمان!
في أي حال، فالظاهر أنّ الاتفاق النووي بين إيران وأميركا مرتبط بضرب العالم العربي وتفتيته…
العراق ومأساته الموجعة،
سوريا وحربها المتمادية،
السعودية وانصرافها الى معالجة الوضع في اليمن،
ليبيا التي تعاني التفتت والفوضى،
تونس ومعركتها المستمرة مع الإرهاب…
(وقس على ذلك)…
وهذا كله يجري تحت «رعاية» المباحثات حول الاتفاق النووي المزعوم!